عندما تنشب حرب بين القبائل والدولة، غالبًا ما يجد أبناء المدينة صعوبة في فهم وتفسير هذا الصراع، بينما يبدو الأمر واضحًا وبديهيًا لأبناء القبائل. ويمكن تفسير هذا التباين في الفهم لعدة أسباب جوهرية:
اختلاف مفهوم الهوية والانتماء
- أبناء المدينة: يرتبط انتماؤهم بالدولة كمؤسسة قانونية تمثلهم، ويرون أنفسهم مواطنين في كيان سياسي. الهوية عندهم أكثر فردية أو مرتبطة بالوطن بمفهومه المعاصر.
- أبناء القبيلة: يرون الانتماء للقبيلة متقدمًا على الانتماء للدولة. القبيلة هي الحامي والمرجع الأساسي، وهويتهم القبلية تسبق أي هوية أخرى.
الفهم المختلف لمفهوم الدولة
- أبناء المدينة: يرون الدولة كيانًا مجردًا ومؤسسات وقوانين، ويعتبرون الصراع ضدها خروجًا على النظام العام.
- أبناء القبيلة: يرون الدولة كطرف آخر له مصالحه الخاصة، وأحيانًا كقوة خارجية تهدد مصالح القبيلة وسيادتها التقليدية ونفوذها.
منطق الصراع والعدالة
- أبناء المدينة: يؤمنون بالحلول القانونية والمؤسسية، ويعتبرون اللجوء للعنف تخلفًا أو خروجًا عن المنطق.
- أبناء القبيلة: يرون في الصراع المسلح وسيلة مشروعة لتحقيق العدالة حين تفشل القنوات الرسمية، ويعتبرونه دفاعًا عن الكرامة والوجود وطريقًا للحصول على الحقوق.
العلاقة بالأرض والموارد
- أبناء المدينة: علاقتهم بالأرض غالبًا رمزية أو اقتصادية، ويمكن تعويضهم ماديًا.
- أبناء القبيلة: الأرض جزء من هويتهم وتاريخهم وكرامتهم، والدفاع عنها واجب مقدس لا يمكن المساومة عليه.
الذاكرة الجماعية المختلفة
- ذاكرة المدينة: ذاكرتهم قصيرة نسبيًا وتتشكل عبر وسائل الإعلام والتعليم الرسمي.
- أبناء القبيلة: ذاكرتهم طويلة تمتد لأجيال، ويتذكرون الصراعات والمظالم السابقة ويورثونها للأجيال الجديدة عبر الروايات الشفهية.
منظومة القيم المختلفة
- منظومة المدينة: يقيمون القرارات وفق معايير المنفعة والقانون والحداثة.
- أبناء القبيلة: يقيمون القرارات وفق معايير الشرف والكرامة و الولاء والثأر.
هذه الاختلافات في البنية المعرفية والثقافية تجعل من الصعب على كل مجموعة فهم منطق الأخرى، مما يؤدي إلى فجوة في التفسير والتعامل مع الصراعات بين القبائل والدولة.