رسائل في بريد النهريينمقالات

الحرس النهري أولئك الذين لم يرضخوا للابتزاز

يبقى الرهان على أولئك الذين لم يرضخوا للابتزاز، متشبّثين بكرامة أهلهم وحقّهم

حين تُرفع لافتات “العنصرية” في وجه أبناء الشمال والوسط والشرق ( الحرس النهري أولئك الذين لم يرضخوا للابتزاز ) كلّما طالبوا بحقوقهم، وحين ترضخ نخبتهم للابتزاز، تتبدّى صورةٌ أشدّ مأساويّة من مجرّد صراعٍ سياسيٍّ أو تنافسٍ على موارد السودان. إنّها صورة مجتمعٍ يُجاهد لإسماع صوته في مواجهة سيف “العنصرية” الذي اشتهر بتسليطه حصراً على من هم محسوبون على النهريين، فيما يسودُ صمتٌ أو تبريرٌ مريبٌ لأي عنفٍ مسلّحٍ أو تجييشٍ قبليٍّ يتبنّاه آخرون.

يجد المثقفون والمنادون بالعدالة من أبناء هذه المناطق أنفسهم أمام زخمٍ من التهم والتخوين أوصمهم بـ”العنصريين” إن هم حذّروا من إهدار مواردهم أو ندّدوا بممارساتٍ إقصائيةٍ تعصف بمجتمعاتهم، وكأنّ الدفاع عن الحق بات خزياً يقتضي الاعتذار. هكذا تُخنق نداءاتهم التي تنشد المساواة وتُجهض مبادراتهم التي تدعو إلى توزيعٍ أكثر عدلاً للثروات، بينما يُغضّ الطرف بشكلٍ لافتٍ عن صراعاتٍ أخرى قد ترفع السلاح أو ترسّخ خطاباً أكثر قسوةً ومصادرة. تكمن وجود الحرس النهري

الحرس النهري

السؤال الأخطر

كيف أمست النخبة نفسها قدوةً للاستكانة بدلاً من أن تكون منارةً للتغيير و تمثل الحرس النهري أولئك الذين لم يرضخوا للابتزاز ؟ إنّها نخبةٌ يُفترض أن تنير الدروب وتقول كلمة الحق، فإذا بها تلتزم الصمت أو تتبنّى خطاباً يُسوّغ لسياساتٍ تنال من كرامة الأهل والأرض. إنّ اختمار هذا المشهد يخلق عجزاً فكريّاً ويُعزّز أطماع الحركات والقوى المهيمنة، التي لا ترى ضيراً في استباحة موارد مناطق الشمال والوسط والشرق، ولا ترى حرجاً في تجيير المفاهيم الكبرى–كالعدالة أو القومية–في سبيل ترسيخ نفوذها.

يأتي الخوف من تهمة “العنصرية” في صدارة الأسباب المشلّة للإرادة؛ فبمجرّد أن يعلو صوتٌ منادياً برفع المظالم عن النهريين، تستحضر قوةٌ أو أخرى هذا الاتهام، فيسارع البعض إلى الاختباء وراء شعاراتٍ جوفاء أو يصمتون خشية تشويه سمعتهم. حينها تضيع حقيقة أنّ هناك مناطق تُستنزف ثرواتها بلا رحمةٍ وتقبع في ظلّ تهميشٍ متعمّدٍ وغيابٍ كاملٍ للكهرباء والمياه والمشاريع التنموية. وقد لمعت أقلامٌ ونوافذ إعلامية كثيرة، مهمّتها أن تلطّف من بشاعة هذه الوقائع أو تستبدل مسمّياتها باسم “مطالب الهامش”. عكس نخبة الحرس النهري أولئك الذين لم يرضخوا للابتزاز .

اقراhttps://nilefree.com/%d8%a7%d9%84%d9%86%d9%87%d8%b1%d9%8a-%d9%88%d8%b9%d9%82%d8%af%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b0%d9%86%d8%a8/

وهكذا تنقسم صفوف أبناء الشمال والوسط والشرق بين مَن يجرؤ على رفض هذا الواقع ويفتح صدره للاتهام بالعنصرية، وبين مَن يهادن تحت وطأة الخوف، فيحمل شعار “الوحدة” أو “المسايرة” ظاهراً، ويخسر في المقابل فاعليته واستقلال قراره وبُعده التنويري. وما بين مناوراتٍ سياسية تلو الأخرى، تتوغّل الحركات المسلحة في استغلال مقدّرات البلاد، ويتكئ أصحاب الصوت العالي على ادّعاء المظلومية، بينما تترسّخ صورةٌ مغلوطةٌ تُختزَل في أنّ “النهريين” هم مَن يحتكرون السلطة والثروة، رغم ما يشاهدونه من إهمالٍ زادهم فقراً وتهميشاً.

نهاية المطاف

، يضع كثيرون بأيديهم فى مقدمتهم الحرس النهري أولئك الذين لم يرضخوا للابتزاز خريطة الانفصال خياراً واقعياً لإنقاذ ما تبقى. حين تفشل الدولة في حماية حياة مجتمعٍ أو ضمان كرامته، يصبح من الطبيعي أن يقترح أبناؤه قطع الصلة بهذا البناء الذي ظنّوا مراراً أنّه وطنٌ لهم فحسب. وبقدر ما يبدو الحديث عن فك الارتباط حادّاً، فإنّ إصرار القوى المهيمنة على التلويح بـ”العنصرية” كلّما دُفعت مطالب مناطق الشمال والوسط والشرق إلى الواجهة، لا يترك مجالاً كبيراً للأمل بوطنٍ يسع الجميع. إنّها حلقةٌ مفرغةٌ يتعاظم فيها القبح وتشحّ الحلول، في حين تدور رحى الخوف في عقول النخبة فتغتال الأصوات وتُجهض المشاريع الواعدة، وتحوّل الدفاع عن الحقّ إلى مغامرةٍ جديرةٍ بالوصم. ومع ذلك، يبقى الرهان على أولئك الذين لم يرضخوا للابتزاز، متشبّثين بكرامة أهلهم وحقّهم في أرضٍ لن يُفرّطوا في المطالبة بمواردها وتقرير مصيرها، مهما تعاظمت الاتهامات وتوالت حملات التشويه.

اقرا https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1%D8%B3_%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%AF%D9%8A%D9%85

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى