سياسةمقالات

خطاب بل بس بين الإبادة الجماعية أم التحرر الحقيقي؟


إنّ الحالة الراهنة في السودان تبرز تناقضات حادة في الخطاب السياسي والنهج المتبع لحل النزاعات في إقليم دارفور، حيث يتجلى استخدام شعار “بل بس” كتعبير عن اللجوء إلى العنف المفرط، بينما يُطرح خيار الانفصال كبديل تحرري واستراتيجي للشعوب المنتجة في مناطق النيل والبحر – أي أبناء الشمال والوسط والشرق. وفي هذا الإطار، يصبح من الضروري تحليل كلٍ من مفاهيم العنف والابتزاز في “بل بس” ثم المقارنة بخيار الانفصال كوسيلة لاستعادة السيطرة والكرامة.

بل بس خطاب العنف والإبادة الجماعية


يعني مصطلح “بل بس” اللجوء إلى استخدام الدولة للقوة العسكرية والضرب، واستخدام العنف الممنهج كوسيلة لفرض السيطرة على المناطق المتنازعة. هذا النهج لا يقتصر على القضاء على قوى التمرد الفردية فقط، بل يستهدف جماعات بأكملها، سواء كانت تشارك في النزاعات أم لا. ويترتب على هذا النهج نتائج مدمرة؛ فهو يؤدي إلى تدمير النسيج الاجتماعي للدولة وإلحاق أضرار بالغة بالبنية الوطنية والاقتصادية. إن استخدام القوة بهذه الطريقة، الذي يصل في جوهره إلى إبادة جماعية للمجتمعات، ينمّ عن فشل تام في إيجاد حلول سياسية بناءة، ويُعد انتهاكًا للمبادئ الدولية لحقوق الإنسان، فضلاً عن كونه نابعًا من رغبة بعض القوى المتمردة في دارفور بدلًا من التركيز على إصلاح واقعهم وإعادة بناء الدولة على أسس شفافة.

الانفصال: خيار التحرر والاستقلال
على النقيض من خطاب “بل بس”، يُطرح خيار الانفصال كمبدأ تحرري واستراتيجي لمنظومة استنزاف الموارد. إن الشعوب المنتجة في الشمال والوسط والشرق، التي تُعرف بالمناطق المفيدة، تمتلك ثروات طبيعية وتجارية حيوية مثل الذهب والزراعة، وتتمتع بإرث ثقافي متماسك وعقليات خلاقة تُسهم في دفع عجلة الاقتصاد الوطني. ومع ذلك، فإن هذه المناطق تُهمَّش وتتضرر نتيجة سياسات الاستنزاف التي تُوجه ثروات البلاد لتأمين مصالح مناطق النزاع كدارفور. وفي هذا السياق، يُعتبر الانفصال وسيلة لاستعادة السيطرة على الموارد وإعادة توزيعها بعدالة؛ حيث سيصبح بإمكان الشعوب المنتجة تحديد أولوياتها الوطنية والعمل على استثمار قدراتها الإنتاجية بعيدًا عن ضغوط الابتزاز والتهديد.https://nilefree.com/%d9%85%d8%b4%d8%b1%d9%88%d8%b9-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d8%b2%d9%8a%d8%b1%d8%a9-%d8%a8%d9%8a%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d9%82%d9%88%d9%82-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%a7%d8%b1%d9%8a%d8%ae%d9%8a%d8%a9-%d9%88%d8%a7/

ازدواجية المعايير والتناقض الأخلاقي في الخطاب


يتجلى ازدواجية المعايير حين تُطبق معايير صارمة على فئة معينة، مثل الجلابة في الشمال والوسط والشرق، بينما يُتغاضى عن الانتهاكات التي ترتكبها حركات دارفور المسلحة. ففي الوقت الذي يُوصم فيه الجلابة بالاحتكار ونقص في المساهمة رغم أنهم يحاولون الدفاع عن مواردهم والتصدي للتهديدات، يُستغل خطاب “المركز والهامش” لتبرير استخدام العنف والتمييز ضدهم. هذا الازدواج في المعايير يخلق تناقضًا أخلاقيًا شديدًا، إذ تُستخدم نفس المبادئ التي ينبغي أن تُطبق على الجميع لاستهداف الجماعات المنتجة بينما تُغضَّ الطرف عن ممارسات الجهات المتمردة التي تنخرط في النزاعات.

كما أن التناقض الأخلاقي يظهر جليًا عندما يتحدث الإعلام والسياسيون عن أهمية الوحدة الوطنية دون أن يعالجوا الخلافات الحقيقية، مُستغلين خطابات مبطنة لتحقيق مصالحهم الخاصة. فالجيل الذي أدعى أن “الدولجية” – أبناء الشمال والوسط والشرق الذين يتحدثون عن الوحدة والقومية – قد فقد صوته الجاذب نتيجة لاستمرار الابتزاز وسوء توزيع الموارد، مما يجعلهم عرضة للانحدار والابتزاز، في حين تُستغل نفسها الحركات الدارفورية لتنفيذ السياسات القمعية والاحتكارية.

الانفصال خيار تحرري أم مجرد ترف سياسي


يبدو أن الانفصال عن دارفور ليس خياراً رفاهياً أو شعارات فارغة، بل هو قرار استراتيجي ضروري ومُلِحّ. ففي ظل استمرار الحركات المسلحة في دارفور في تنفيذ اتفاق جوبا الظالم، ومواصلة نهجها القديم في الابتزاز والتهديد، فإن الانفصال يمثل وسيلة لاستعادة السيطرة على الموارد وضمان مستقبل أكثر عدالة واستقلالاً للمناطق المنتجة. إن الانفصال هو الخطوة التي تُعيد للشعوب حريتها وكرامتها بعيداً عن خطاب “المركز والهامش” المضلل، ولا يمكن للمجتمع الدولي ولا لأي جهة إجهاضه إن استمر استنزاف ثروات البلاد وتسخيرها لصالح مصالح قبلية خاصة. بهذا نصل إلى نتيجةٍ حتمية: في عالمٍ لا يفهم إلا لغة القوة والمصلحة، الانفصال هو خيار التحرر الحقيقي وليس مجرد ترفٍ سياسي، بل هو السبيل الوحيد لضمان مستقبل آمن ومستقر لشعوب النيل والبحر، حتى وإن كان هذا الطريق يحمل تحديات كبيرة.

حولhttps://mawdoo3.com/%D8%AD%D9%82_%D8%AA%D9%82%D8%B1%D9%8A%D8%B1_%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B5%D9%8A%D8%B1

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى