المقالات

هل الانفصال هو السبيل الوحيد لاستعادة كرامة الشعوب المنتجة؟

في ظل التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الراهنة، بات السودان يعاني من استنزافٍ ممنهج للموارد يتم توجيهه لصالح مناطق النزاع، ولا سيما إقليم دارفور، على حساب المناطق المنتجة في الشمال والوسط والبحر. في هذا السياق، تتجلى ازدواجية المعايير والتناقض الأخلاقي في الخطاب السياسي، حيث تُستغل مفاهيم “المركز والهامش” بشكل انتقائي لإسكات الأصوات التي تدافع عن حقوقها. وبينما يُروج بعض القوى لحملة الوحدة والقيادة الوطنية تحت مسمى “الدولجية”، يفقد هذا الخطاب جاذبيته ومنطقيته أمام الاستمرار في استغلال الشعوب المنتجة ودعم الاتفاقيات الظالمة مثل اتفاقية سلام جوبا التي تُعزز من هيمنة الحركات المسلحة في دارفور.

ازدواجية المعايير في الخطاب السياسي

يشير مفهوم ازدواجية المعايير إلى تطبيق قواعد ونُهج مختلفة على فئات متنافسة لتحقيق أهداف سياسية ضيقة. ففي السودان، يُستخدم خطاب “المركز والهامش” لتوجيه الاتهامات ضد القوى المنتجة في الشمال والوسط والبحر – وهم أبناء الجلابة – على الرغم من أنهم لم يتمردوا على الدولة، بل كانوا يدافعون عن مواردهم الأساسية ومصالحهم الوطنية. بينما تُستغل نفس المعايير لتبرير الإجراءات العدوانية التي تتخذها الحركات المسلحة الدارفورية، والتي تواصل الاعتماد على الاتفاقيات الظالمة ونهج الابتزاز والتهديد. هذه الازدواجية تُظهر بوضوح كيف يتم استخدام الخطاب السياسي كأداة لتشويه صورة مجموعة دون غيرها، مما يؤدي إلى تأجيج الانقسامات الوطنية وإضعاف الوحدة الحقيقية.

التناقض الأخلاقي بين الخطاب والممارسة

من ناحية أخرى، يظهر التناقض الأخلاقي عندما تتعارض السياسة المعلنة مع الواقع العملي للأعمال. ففي حين يُدعى المسؤولون عن “الدولجية” أنهم يدافعون عن الوطن ويتبنون مبادئ الوحدة والقومية، فإنهم في الواقع لا يملكون خطاباً جاذباً أو حججاً منطقية تُبرر دفاعهم عن الموارد. تستمر الحركات المسلحة في تنفيذ اتفاقية سلام جوبا الظالمة، بينما يتجاهل المسؤولون معنى العدالة الحقيقية. يتم استغلال الشعارات والمفاهيم دون أن تُطبَّق المعايير ذاتها، مما يؤدي إلى استغلال الشعوب المنتجة، وتحويل مواردها لصالح جهات معينة. هذا التناقض الأخلاقي يترك الشعب في حالة من الضعف والانهيار الفكري، حيث يُستغل عقل القطيع وينتهي به المطاف إلى قبول سياسات تقوض استقلاله وتكبّره.

دارفور كمصدر للنزاعات والابتزاز

على الجانب الآخر، يعد إقليم دارفور رمزاً للأزمة والدمار في السودان؛ فهو منطقة حرب مستمرة تتسم بالتخلف الاقتصادي وعدم الإنتاجية، وتواجه مشاكل قبلية لا يمكن حلها بسهولة. تُستخدم دارفور كأداة لاستنزاف موارد الدولة وتسييرها نحو دعم الحركات المسلحة التي تعتمد على العنف والابتزاز لتحقيق مصالح قبلية ضيقة. ففي حين تُساهم دارفور بنسبة معينة من الثروة الحيوانية، فإنه يبقى خارج دائرة الإنتاج الفعلي، وتظل مساهمتها الاقتصادية ضئيلة مقارنةً بما تمثله المناطق الأخرى المنتجة. إضافة إلى ذلك، فإن تكاليف الحروب والعمليات العسكرية التي خاضها إقليم دارفور منذ عام 2003 شكلت عبئاً ثقيلاً على ميزانية الدولة، مما أدى إلى تقلص الاستثمار في المشاريع التنموية الأساسية في بقية السودان.

الدولجية: خطاب الوحدة المضلل

ينادي أبناء الشمال والوسط والشرق بمفهوم الوحدة والقومية تحت شعار “الدولجية”، لكن هذا الخطاب لم يعد ذا جاذبية ولا حجة منطقية في ظل الضغوط التي يتعرضون لها. إذ إن الخطابات التي تُروج للوحدة غالباً ما تُستخدم لتبرير سياسات القمع والابتزاز ضد الشعوب المنتجة، بينما تُغضّ الطرف عن الجرائم والانتهاكات التي ترتكبها القوى المتمردة في دارفور. هذا التلاعب اللفظي يجعل من خطاب الدولجية مجرد ستار يُخفي حقيقة أن الموارد تُستنزف لصالح مناطق الصراع، وأن المسؤولين عن هذه السياسات يزعّمون الوحدة كذريعة لاستمرار عرقلة التنمية.

اقرا ايضاhttps://nilefree.com/tag/%d8%ac%d8%af%d9%84%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b1%d9%83%d8%b2-%d9%88-%d8%a7%d9%84%d9%87%d8%a7%d9%85%d8%b4/

هل الانفصال خيار تحرري أم رفاهية سياسية؟

من منظورٍ أخلاقيٍّ وسياسيٍّ واقتصاديّ، يبدو أن الانفصال عن دارفور لم يعد رفاهية سياسية أو فكرة نظريةً فحسب، بل هو خطوة حتمية لاستعادة السيطرة على الموارد وتوزيعها بشكل عادل. إن الانفصال هنا يُمثل خياراً استراتيجيّاً لتحرير مناطق الشمال والوسط والبحر، التي تُعرف بالمناطق المفيدة، من دائرة الابتزاز والتهديد المستمر. ففي ظل قيام الحركات المسلحة الكبرى في دارفور بتنفيذ اتفاقية سلام جوبا الظالمة، ومع استمرار تبنيها لنهج الابتزاز والتهديد، يتعرض الاقتصاد الوطني وسكان المناطق المنتجة للضرر المستمر.هذا القرار لا يقتصر على الجانب السياسي؛ بل يُعدّ خطوةً تحرريّةً لإنهاء دورة الاستنزاف التي تُفضي إلى تفكيك النسيج الاجتماعي والاقتصادي. إنَّ شعوب النيل والبحر تمتلك قدرات إنتاجية عالية وثروات طبيعية ثمينة، ولا بد أن تُعاد لهذه المناطق حقوقها واستثمار مواردها بالشكل الذي يعزز من تنميتها واستقرارها. وبالمقابل، فإن دارفور، التي لا تُضيف شيئاً يُذكر للاقتصاد وتُعتبر مصدرًا للحرب والخواطر الهدامة، يجب أن تُستبعد من إطار مشاركة الموارد الاقتصادية بصفتها منطقة حرب مستنزفة.

الخاتمة: الانفصال كقرار استراتيجي لتحرير الشعوب المنتجة

خلاصة القول إنَّ خطاب “بل بس” الذي يستند إلى العنف والابتزاز والذي يُستخدم لتبرير إبادة جماعية للمتمردين، هو نهج مدمر لا يجدي نفعاً في تحقيق الوحدة الوطنية أو العدالة. في ظل هذه المعطيات، لا يعد الانفصال خيارًا رفاهيًا أو مجرد شعار سياسي، بل هو قرار استراتيجي حتمي لضمان مستقبلٍ أكثر نجاعة واستقرارًا للمناطق المنتجة في الشمال والوسط والبحر. إنَّ الانفصال الذي يُعيد هذه المناطق السيطرة على مواردها ويحررها من ابتزاز القوى الدارفورية سيكون خطوةً تحرريةً لتحقيق التنمية والازدهار، واستعادة الكرامة الوطنية التي طالما أنها هدفُ الشعوب الذين لا يستحقون أن يُستغلوا تحت ستار خطاب الوحدة المضلل.
بهذا القرار، لن يكون مستقبل شعوب النيل والبحر قريبًا من الاستغلال والابتزاز، بل سيمنحهم فرصة للمشاركة الفاعلة في بناء وطن يعتمد على العدالة والانصاف بعيداً عن سياسات السلطة التي تُفضي إلى تدمير الثروات وإرضاع عقل القطيع.

اولاhttps://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AD%D9%82_%D8%AA%D9%82%D8%B1%D9%8A%D8%B1_%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B5%D9%8A%D8%B1

سوار الذهب النوبي

سوار الذهب, مواطن نهري ، اقتصادي متخصص في الاقتصاد الكلي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى