مدائن و أماكن

مشروع الجزيرة بين الحقوق التاريخية والتهديدات الوجودية

لا يزال مشروع الجزيرة يمثل محوراً جوهرياً في الصراع الدائر داخل السودان، ليس فقط باعتباره ركيزة أساسية للاقتصاد الوطني، ولكن لأنه أيضاً قضية سيادية تتعلق بملكية الأرض والهوية السكانية لسكان الجزيرة الأصليين. مع تصاعد وتيرة الأحداث، أصبح واضحاً أن هناك محاولات موجهة لإعادة هندسة التركيبة السكانية والاقتصادية للمشروع، عبر تدخلات مشبوهة من قبل الحركات المسلحة التي تسعى إلى فرض واقع جديد يخدم أجنداتها الخاصة.

مشروع الجزيرة: ملك أصيل لسكانه وليس أرضاً مشاعاً

أكد الأمير الطيب الإمام جوده في بيانه أن مشروع الجزيرة ليس مجرد أرض زراعية عادية، بل هو إرث تاريخي متجذر في وجدان أهله الذين استصلحوه وزرعوه منذ أجيال. وقبل أن تأتي القنوات الحديثة، كانت هذه الأراضي تُزرع بالري المطري، مما يعني أن أهلها هم المالكون الأصليون وليسوا مجرد مستفيدين من مشروع حكومي.

ورغم ذلك، فإن هناك محاولات منظمة لنزع ملكية هذه الأراضي عبر ادعاءات زائفة بأنها ملك قومي لكل السودان، وهو ما يتجاهل الحقيقة التاريخية والقانونية التي تثبت أن المشروع بُني على جهود سكانه، وليس كأرض مشاع لمن هب ودب.

إن من يتحدثون اليوم عن مشروع الجزيرة كملكية عامة يريدون تذويب الحقوق الأصيلة لأهله لصالح أجندات سياسية مشبوهة، تهدف إلى إحلال مجموعات جديدة مكان السكان الأصليين عبر وسائل مختلفة، أبرزها التجنيد القسري والتمدد العسكري للحركات المسلحة.

الحركات المسلحة: أدوات تفكيك وإحلال سكاني

لا يمكن النظر إلى الحركات المسلحة التي تنشط في السودان حالياً بمعزل عن خلفياتها الأيديولوجية، فهي حركات مشبعة بخطاب عنصري يقوم على جدلية المركز والهامش في إطار انتقامي واضح. هذه الحركات لا تسعى إلى تحقيق عدالة اجتماعية أو تنمية، بل إلى إعادة رسم الخريطة السكانية والسياسية لصالح مجموعات محددة على حساب السكان الأصليين لمناطق مثل الجزيرة ووسط السودان عموماً.

إن أخطر ما تقوم به هذه الحركات هو استغلال النزاعات والتوترات السياسية لإيجاد موطئ قدم لها داخل مشروع الجزيرة عبر عمليات تجنيد ممنهج لسكان الكنابي والوافدين، في محاولة واضحة لإحداث تغيير ديموغرافي يؤدي مستقبلاً إلى فرض واقع جديد بالقوة.

وهنا يبرز السؤال الأساسي: إذا كان التجنيد حقاً للجميع، فلماذا لا يكون عبر الجيش السوداني النظامي؟ لماذا يُفرض أن تكون الولاءات العسكرية مرتبطة بالحركات المسلحة التي تحمل مشروعاً عرقياً وتاريخاً دموياً في دارفور وجبال النوبة؟ الإجابة واضحة: لأن هذه الحركات لا تعمل من أجل السودان، بل لأجل أجندتها الخاصة التي ترى الجزيرة جزءاً من صراعها مع المركز.

اقرا

التجنيد والتهديد الوجودي لمشروع الجزيرة

التجنيد الذي تقوم به الحركات المسلحة في الجزيرة ليس دفاعاً عن المنطقة ولا استجابة لحاجة عسكرية حقيقية، بل هو خطوة ضمن مخطط أوسع لإعادة تشكيل موازين القوى داخل الجزيرة. ومن هنا، فإن السماح لأي مجموعة وافدة بحمل السلاح داخل مشروع الجزيرة هو بمثابة منح أدوات الحرب والدمار لأعداء السكان الأصليين، مما يهدد الأمن والاستقرار في المنطقة على المدى الطويل.

وقد جاءت التصريحات الأخيرة من بعض الشخصيات المؤثرة في الجزيرة، مثل غاندي إبراهيم، لتؤكد أن أبناء الجزيرة لم ولن يسمحوا بأي شكل من أشكال التعدي على ملكيتهم التاريخية للمشروع، وأنهم يدركون تماماً طبيعة المخططات التي تحاك ضدهم، سواء عبر التجنيد أو عبر محاولات فرض شخصيات ذات ولاءات مشبوهة على إدارة المشروع.

مواجهة المخططات: موقف أهل الجزيرة يجب أن يكون حاسماً

الرفض الصريح لأي محاولات للتجنيد داخل الجزيرة هو ليس فقط موقفاً مشروعاً، بل ضرورة لحماية الوجود التاريخي للسكان الأصليين. يجب أن يكون هناك تحرك موحد من كل أبناء الجزيرة، سواء عبر رفض أي قرارات سياسية تحاول فرض واقع جديد، أو عبر المقاومة المنظمة لأي وجود عسكري للحركات المسلحة داخل المشروع.

لا بد من التأكيد على عدم الاعتراف بأي كيانات دخيلة تسعى إلى فرض نفسها بالقوة داخل الجزيرة، وضرورة إبقاء إدارة المشروع في يد أبنائه، وعدم السماح بأي شكل من أشكال التأميم القسري أو التلاعب بالملكية التاريخية.

الجزيرة لن تسقط في فخ المؤامرات

كل المحاولات التي تُمارس حالياً ضد مشروع الجزيرة، سواء من خلال التجنيد أو التلاعب بالخطاب السياسي، ليست سوى أدوات ضمن خطة أوسع لتفكيك التوازنات السكانية والاقتصادية في السودان. ومن يعتقد أن أهل الجزيرة سيقفون مكتوفي الأيدي أمام هذه الهجمة فهو واهم.

كما قال غاندي إبراهيم في مقاله: “نحن لم نغادر أرضنا حينما استباحها الأوباش، بل بقينا وقاتلنا حتى طردنا العدو من ديارنا، ولن نسمح اليوم لأي جهة أن تفرض علينا واقعاً جديداً.” هذه الكلمات تعكس بوضوح الروح القتالية والوعي الكامل بأبعاد المخطط الذي يستهدف مشروع الجزيرة وأهله.

الخاتمة: معركة الوجود لن تُحسم إلا بصمود أبناء الجزيرة

مشروع الجزيرة ليس مجرد أرض زراعية، بل هو عنوان للسيادة والكرامة والهوية. وأي محاولة لانتزاعه من أهله، سواء عبر الخطاب السياسي المضلل أو من خلال القوة المسلحة، ستُواجه بمقاومة عنيفة من سكانه الأصليين الذين يعرفون أن خسارتهم للمشروع تعني خسارتهم لوجودهم بالكامل.

الحركات المسلحة ليست سوى أدوات استعمارية جديدة بأيديولوجيات عرقية انتقامية، تسعى إلى تدمير الجزيرة كما فعلت في مناطق أخرى. وأبناء الجزيرة لن يسمحوا بتكرار هذا السيناريو داخل أرضهم.

الرسالة الأخيرة: الجزيرة لأهلها فقط، وأي محاولات لفرض واقع جديد فيها هي إعلان حرب لن تمر دون رد.

سوار الذهب النوبي

سوار الذهب, مواطن نهري ، اقتصادي متخصص في الاقتصاد الكلي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى