Dr. Sudanese
في خضم الصراع المستعر في السودان، تتردد على مسامعنا اتهامات متكررة يطلقها محمد حمدان دقلو (حميدتي) ومعه عدد من المثقفين والسياسيين الدارفوريين، مُحمّلين مسؤولية الأزمات التي تعصف بالبلاد لمجتمعات بعينها في شمال ووسط السودان، وعلى رأسها الشايقية والجعليون والدناقلة، الذين يصفهم حميدتي وأتباعه بلفظة “الجلابة المجرمين”. يواصل هؤلاء في خطابهم التحريضي التأكيد على نيتهم الانتقام من هذه الفئات الاجتماعية، بزعم أنها المسؤولة عن سياسات الحكومات المتعاقبة في السودان، متبنّين خطابًا إقصائيًا عنصريًا يعيد إنتاج سردية تدّعي أن هذه المجموعات كانت المحرّك الأساسي وراء النزاعات القبلية في دارفور، سواء بالتحريض أو بتأجيج الصراعات.
هذه السردية ليست وليدة اللحظة، بل تمتد جذورها إلى أكثر من ثلاثة عقود، حيث رُوّجت لها في كتب ومقالات لا حصر لها، تربط أزمات دارفور بسياسات التهميش والتمييز المزعومة التي مارستها قبائل الشمال والحكومات المركزية المتعاقبة. تدّعي هذه الرواية أن الإقليم كان ينعم بالسلام إلى أن جاءت حكومة عمر البشير، التي شرعت في قتل سكانه لمجرد مطالبتهم بحقوقهم. واليوم، لا تزال قوات الدعم السريع تستثمر في هذه الرواية، مستخدمة إياها ذريعةً لحملتها الفاشية القائمة على التطهير العرقي، في محاولة لفرض هيمنة قبلية شاملة على السودان، ما أسفر عن استهداف ممنهج لمختلف مكونات المجتمع السوداني
وبينما لا يمكن تجاهل وجود دور لسوء اداره الحكومه المركزيه وعجزها في حل التوترات وتاجيجها في مرات عديده ، إلا أن تحميل المسؤولية الأساسية لهذا العامل وحده قد يكون تبسيطاً مفرطاً لوضع تاريخي بالغ التعقيد. يُظهر الفحص الدقيق للأسباب جذوراً عميقة تتعلق بالديناميات القبلية المحلية، والضغوط البيئية مثل التصحر، والتغيرات الديموغرافية الناتجة عن الهجرة من منطقة الساحل، بالإضافة إلى تأثيرات خارجية من دول مجاورة مثل تشاد وليبيا.
يشير التحليل التاريخي الموضوعي إلى أن دارفور عانت باستمرار من نزاعات قبلية قبل فترة الحكم الاستعماري أو المركزي في السودان الحديث. ومع ذلك، فإن النخب الدارفورية التي سعت لتحقيق مكاسب سياسية، غالبًا ما بسطت الرواية إلى أنها ترتكز على التهميش العنصري، واتهمت بشكل متكرر قبائل شمال السودان والسلطة المركزية بتكريس العنصرية والإهمال المتعمد. وعلى الرغم من وصول العديد من النخب الدارفورية إلى مواقع السلطة السياسية في الخرطوم، لم يتحقق الحل المنشود لهذه النزاعات. بدلاً من ذلك، امتد العنف من دارفور ليزعزع استقرار مناطق أخرى.
لذلك، في هذا المقال، سأستعرض لكم باختصار وموضوعية جميع الصراعات التي شهدتها دارفور منذ عام 1910، أي قبل الاستعمار، وأثناءه، وبعده. سأذكر هذه الصراعات وأسبابها بوضوح ودقة، دون إقحام رأيي الشخصي أو تبنّي سردية معينة، بل سأعرضها كما وردت في المصادر الرسمية.
كل ما عليك، أيها القارئ، هو الاطلاع عليها والحكم بموضوعية على أسباب تكرار هذه الصراعات: هل كانت نتيجة سياسات علي دينار، أو تدخلات الأتراك والإنجليز، أو سياسات الحكومات الوطنية مثل الديمقراطية الأولى، أو حكم عبود، أو عهد نميري، أو الديمقراطية الثانية، أو الإنقاذ (حكومة الكيزان)؟ أم أن هناك عوامل داخلية موضوعية أخرى، لا تزال قائمة، تتعلق بالتركيبة الداخلية للإقليم، ينبغي النظر إليها ومعالجتها؟ اقرأ واحكم
التوثيق الزمني المفصل للنزاعات القبلية في دارفور منذ عام 1910:
· يناير 1910: معركة كريندق – المساليت بقيادة السلطان تاج الدين ضد القوات الفرنسية المتحالفة مع قوات سلطنة وداي، بسبب التوسع الاستعماري الفرنسي. انتهت بانتصار المساليت وخسائر كبيرة (280 من القوات الفرنسية، وآلاف من المساليت).
· نوفمبر 1910: معركة دروتي – المساليت ضد القوات الفرنسية كرد فعل انتقامي، مقتل السلطان تاج الدين وحوالي 40 من قياداته، خسائر كبيرة في الطرفين.
· 1916: الحرب الإنجليزية الدارفورية – سلطنة الفور بقيادة السلطان علي دينار ضد القوات البريطانية وحلفائهم من الرزيقات، بسبب الاشتباه بالتحالف مع العثمانيين. انتهت بمقتل علي دينار وضم دارفور للسودان.
· 1932: نزاع بين الكبابيش والكواهلة بسبب المراعي.
· 1939: اشتباكات بين البرتي والزيادية بسبب النزاعات على الأراضي.
· 1956: اشتباكات بين البرتي والزيادية على الحدود.
· 1957: اشتباكات بين الميدوب والزيادية بسبب سرقة المواشي.
· 1964: نزاع بين المعاليا والرزيقات بسبب المراعي والجفاف.
· 1965: اشتباكات بين البرتي والزيادية بسبب الحدود.
· 1965: نزاع بين الميدوب والكبابيش بسبب سرقة الجمال.
· 1975: اشتباكات بين بني هلبة والرزيقات بسبب التصحر.
· 1976: نزاع الرزيقات والدينكا بسبب الجفاف.
· 1978: اشتباكات بين التعايشة والسلامات بسبب نقص الموارد.
Dr. Sudanese, [4/21/2025 9:26 AM]· 1979: نزاع بين الرزيقات والمسيرية بسبب المياه والمراعي.
· 1983-1989: حرب الفور مع التجمع العربي (الرزيقات)؛ دمار واسع وآلاف القتلى.
· 1984: صراع بين الفلاتة والقمر.
· 1986: تجدد النزاع بين الرزيقات والدينكا وتدمير قرى.
· 1987-1989: نزاعات بين الزغاوة والقمر.
· 1990: نزاع بين الزغاوة والمعاليا بسبب الثأر.
· 1991: الزغاوة ضد بني حسين بسبب التعدين.
· 1991: الزغاوة ضد قبيلة الميما بسبب النهب.
· 1991: نزاع بين الزغاوة والبرقد بسبب سرقة المواشي.
· 1993: تجدد النزاع بين الزغاوة والرزيقات.
· 1996-1998: حرب بين المساليت وعشائر عربية (الرزيقات وقبائل أخرى مدعومة من الحكومة).
· 1999: اشتباكات بين الفور والرزيقات.
· 2000: اشتباكات متجددة بين المساليت والعرب.
· 2003-2005: الحرب الأهلية بدارفور، الحكومة السودانية والجنجويد ضد حركات التمرد (الفور والزغاوة والمساليت).
· 2010: اشتباكات الرزيقات والمسيرية بجنوب دارفور بسبب المراعي، أكثر من 100 قتيل.
· 2011-2012: نزاع بين بني حسين والرزيقات الأبالة حول مناجم الذهب في جبل عامر، مقتل 839 شخصًا وتهجير حوالي 150 ألفًا.
· 2013: اشتباكات بين الرزيقات والمعاليا في عديلة وأبوكارنكا، 149 قتيلًا وتهجير 50 ألفًا.
· 2014: معركة أم راكوبة بين الرزيقات والمعاليا، 323 قتيلًا.
· 2015: اشتباكات بين المعاليا والحمر بسبب الرعي.
· 2017: نزاعات داخلية بين عشائر الرزيقات.
· 2019-2020: هجمات على معسكر كريندق (قبائل عربية ضد المساليت)، 84 قتيلًا.
· 2021: اشتباكات عنيفة في الجنينة بين المساليت والعرب، 87 قتيلًا و191 جريحًا.
· 2022: مذابح كرينك وجبل مون (قبائل عربية ضد المساليت)، أكثر من 200 قتيل في كرينك.
· 2022: هجمات كلبس في شمال دارفور بين العرب وقبيلة القمر، عشرات القتلى.
· 2023: حملة تطهير عرقي في الجنينة (الرزيقات مدعومين بقوات الدعم السريع ضد المساليت)، مقتل حوالي 1200 من المساليت ونزوح أكثر من 120 ألف شخص إلى تشاد.
ولا تنسَ، أيها القارئ، أن هذه الصراعات الكبرى والموثقة ليست سوى جزء من المشهد، فهناك العديد من النزاعات التي لم يصل صداها إلى العالم، ولم تحظَ بالتوثيق الكافي، لكنها كانت ولا تزال تؤثر بعمق في النسيج الاجتماعي والواقع السياسي لدارفور
هذا السرد التفصيلي يبيّن حجم التحدي الذي تواجهه الدولة السودانية ونخب دارفور في إحلال الاستقرار بالمنطقة وتحويل اقتصاد دارفور من هامشي إلى مساهم فعال في اقتصاد السودان. السؤال الملح: هل لدى الدولة السودانية الموارد الكافية، وهل لدى النخب الدارفورية الإرادة الحقيقية لحل هذه الأزمة التاريخية؟ الإجابة على هذين السؤالين ستحدد مستقبل دارفور والسودان بأكمله.أقرا
English Sources:
Collins, Robert O. (2006), A History of Modern Sudan, Cambridge University Press.
De Waal, Alex (2005, 2009), Famine that Kills: War in Darfur and the Search for Peace, Harvard University Press.
Flint, Julie, and Alex de Waal (2008), Darfur: A New History of a Long War, Zed Books.
Mamdani, Mahmood (2009), Saviors and Survivors: Darfur, Politics, and the War on Terror, Pantheon Books.
Human Rights Watch (2004–2023), Annual and thematic reports on Darfur.
United Nations OCHA Reports (2003–Present), Regular updates on humanitarian and conflict situations in Darfur.
Amnesty International Reports (2003–2023), Documenting human rights abuses and ethnic violence.
BBC News Special Reports (2003–2023), Background context and continuous conflict coverage.
Reuters and Al Jazeera English (2003–2023), Timely, frequent conflict updates and analyses.
Arabic Sources:
محمد إبراهيم أبو سليم، كتاب تاريخ دارفور السياسي، عدة طبعات، الخرطوم.
د. أحمد عبد الكريم محمد (2005)، كتاب دارفور: جذور الأزمة وأبعاد الصراع، جامعة الخرطوم.
صحيفة الراكوبة السودانية (2000–2023)، أرشيف النزاعات المحلية والتحليلات.
سودانيز أون لاين، منتدى توثيقي يحتوي روايات شهود عيان وتحليلات تاريخية.
صحيفة الإنتباهة (2006–2023)، تقارير مفصلة عن النزاعات القبلية وردود فعل الحكومة.
المركز القومي للتوثيق (الخرطوم)، أرشيف تاريخي يوثق الفترة الاستعمارية وما بعدها.
International Institutional Reports:
United Nations-African Union Hybrid Operation in Darfur (UNAMID) (2007–2020)، تقارير السلام وحفظ الأمن.
International Crisis Group Reports (2003–2023)، تحليل شامل للنزاعات القبلية وديناميات الصراع.
Darfur Bar Association (نقابة محامي دارفور) (2019–2023)، تقارير عن العنف الإثني والحقوقي في دارفور.