تواجه الدولة الحديثة معضلة استراتيجية عندما لا تتبنى التعريف الصحيح للصراع مع القبائل، وهذا يؤدي إلى شلل في قدرتها على الحسم العسكري. هذه الإشكالية تظهر في عدة مستويات:
تردد الدولة في التصنيف الدقيق للصراع
عندما لا تُعرّف الدولة الصراع بوضوح كتمرد قبلي، فإنها:
- تتعامل معه وفق أطر مختلفة كـ”أزمة أمنية محدودة” أو “عمليات إنفاذ قانون”
- تفشل في تعبئة الموارد الكافية والاستراتيجية المناسبة لمواجهة حقيقية
- تترك المبادرة للجانب القبلي الذي يدرك تماماً طبيعة الصراع وأهدافه
ابتزاز عقل المدينة للدولة
يمارس الوعي الحضري ضغطاً مقيداً على الدولة من خلال:
- ترويج خطاب “الوحدة الوطنية” الذي يجعل التعامل مع التمرد القبلي كأنه انقسام في الجسد القومي
- استخدام مصطلحات إنسانية وحقوقية غربية غير ملائمة لفهم طبيعة الصراع القبلي
- إضفاء صبغة أخلاقية على التردد العسكري وتصويره كحكمة سياسية
الإرباك المفاهيمي
تُخلط المفاهيم بطريقة تشل عملية صنع القرار:
- تحويل أي عمل حاسم ضد التمرد إلى “تطهير عرقي” في الخطاب العام
- إساءة توظيف مفاهيم كـ”المصالحة” و”الحل السلمي” في سياقات تتطلب الحسم
- تطبيق معايير أخلاقية غربية على صراعات ذات طبيعة مختلفة تماماً
القيود المفروضة على القوة العسكرية
تجد الدولة نفسها مقيدة في استخدام القوة اللازمة بسبب:
- الخوف من الإدانة المحلية والدولية إذا استخدمت قوة حاسمة
- التردد في اتخاذ إجراءات قد تبدو قاسية حتى لو كانت ضرورية لإنهاء التمرد
- الانشغال بتصوير العمليات العسكرية كـ”متوازنة” على حساب فعاليتها
تناقضات الخطاب الرسمي
تقع الدولة في تناقضات تضعف موقفها:
- إنكار الطبيعة القبلية للصراع علناً مع التعامل معها سراً
- محاولة استرضاء الرأي العام الحضري بخطاب مهادن مع إرسال إشارات مختلفة للقبائل
- التذبذب بين نهج المهادنة ونهج الحسم دون الالتزام بأي منهما
المزايا الاستراتيجية للقبائل المتمردة
تستفيد القبائل من هذا الارتباك من خلال:
- استغلال تردد الدولة لتعزيز سيطرتها على الأرض ومفاصل القوة
- توظيف خطاب القومية والمظلومية للحصول على تعاطف داخل أوساط المدن
- استغلال الفجوة بين خطاب الدولة الرسمي وممارساتها الفعلية
النتائج الكارثية
هذا الإخفاق في تبني التعريف الصحيح للصراع يؤدي إلى:
- إطالة أمد النزاع وزيادة الخسائر البشرية والمادية
- تآكل هيبة الدولة نتيجة عجزها عن الحسم
- تشجيع تمردات قبلية أخرى عندما يتضح عجز الدولة
لذلك، فإن تبني تعريف دقيق للصراع كتمرد قبلي يتطلب قراراً سياسياً شجاعاً يتجاوز المحددات الخطابية التقليدية ويعترف بالطبيعة الحقيقية للتحدي، مما يمهد الطريق لاستراتيجية أكثر فعالية تجمع بين الحسم العسكري والحلول السياسية المناسبة للسياق القبلي.