المقالات

كامل إدريس رئيس الوزراء في مواجهة حلف جوبا

أولاً: منظومة التحكم الاقتصادي والمالي

تواجه حكومة كامل إدريس تحدياً هيكلياً أساسياً يتمثل في سيطرة حركات دارفور (حلف جوبا) على مفاصل الاقتصاد السوداني:

  1. احتكار الموارد المالية: السيطرة على الوزارات الجبائية (المالية والتعدين) يمنح هذه الحركات تحكماً شبه مطلق في إيرادات الدولة وتخصيصها
  2. تحصين المناصب الاقتصادية: اتفاقية جوبا تمنح هذه الوزارات حصانة ضد التغيير والمساءلة
  3. شلل آليات الإصلاح: أي خطة إصلاح اقتصادي تتطلب موافقة من يسيطرون على هذه الوزارات
  4. التوظيف الفئوي للموارد: توجيه موارد الدولة لخدمة مصالح فئوية و مناطقية بدلاً من المصلحة الوطنية

ثانياً: الهيمنة العسكرية المزدوجة

تتمتع حركات دارفور بمنظومة عسكرية مزدوجة تضمن لها نفوذاً أمنياً فريداً:

  1. قوات عسكرية خاصة: بناء كيانات مسلحة خارج سلطة الجيش الرسمي
  2. التسليح المستمر: مضاعفة القدرات التسليحية بما يخلق توازنات قوى جديدة
  3. اختراق المؤسسة العسكرية: تجنيد ولاءات داخل الجيش الرسمي على أسس قبلية و إثنية
  4. ازدواجية الولاءات: وجود ضباط وجنود موالين للحركات داخل المؤسسة العسكرية الرسمية

ثالثاً: التوظيف السياسي للانقسامات المجتمعية

استثمار حلف جوبا في الانقسامات المجتمعية كأداة سياسية:

  1. توظيف خطاب “الهامش والمركز”: تسييس التباينات الجغرافية والتنموية لتبرير المطالب والضغوط
  2. التعبئة القبلية والإثنية: استخدام الانتماءات القبلية والإثنية لبناء قاعدة دعم
  3. تعميق الاستقطاب المجتمعي: استثمار حالة الحرب في تعزيز الانقسامات وتصعيب أي حوار وطني
  4. ابتزاز الدولة: استخدام الهويات الفرعية كورقة ضغط لانتزاع مكاسب سياسية ومادية

رابعاً: الحصانة القانونية والسياسية

تحصين مواقع النفوذ من خلال الأطر القانونية:

  1. تحويل اتفاقية جوبا لدرع واقٍ: استخدام بنود الاتفاقية لمنع أي مساءلة أو تغيير
  2. الاستعصاء على الإصلاح: ربط المناصب بأشخاص محددين بغض النظر عن الكفاءة أو الأداء
  3. استخدام شرعية الاتفاقية: تبرير أي خرق للسيادة أو تجاوز للقانون بذريعة تنفيذ الاتفاقية
  4. تقييد صلاحيات رئيس الوزراء: جعل منصبه تنفيذياً شكلياً دون سلطة فعلية على الموارد

خامساً: خيارات رئيس الوزراء المحدودة

في ظل هذه التحديات المركبة، تبدو خيارات رئيس الوزراء محدودة للغاية:

1. استراتيجية المواجهة المباشرة

  • المخاطر: قد تؤدي إلى أزمة سياسية حادة وربما انهيار الحكومة
  • العوائق: افتقار رئيس الوزراء للقوة العسكرية أو الاقتصادية اللازمة للمواجهة

2. استراتيجية المناورة التدريجية

  • آليات: محاولة بناء تحالفات جديدة داخل الجيش والمؤسسات المدنية
  • تحديات: صعوبة اختراق المنظومة المتكاملة التي بناها حلف جوبا

3. استراتيجية إعادة التفاوض

  • المسار: الدعوة لمراجعة بنود اتفاقية جوبا بدعم دولي
  • العقبات: رفض الحركات لأي تعديل يمس مكاسبها

4. استراتيجية بناء رأي عام ضاغط

  • الآلية: كشف الممارسات السلبية وتأثيرها على معيشة المواطنين
  • التحديات: صعوبة مواجهة التعبئة القبلية والإثنية بخطاب وطني في ظل الانقسامات الحالية

سادساً: استنتاجات وآفاق

  1. تآكل مفهوم الدولة: السودان يتحول عملياً إلى مساحة جغرافية تتنازعها كيانات متعددة ذات سلطات فعلية
  2. أزمة مستعصية على الحلول التقليدية: تحتاج إلى إعادة بناء كاملة للعقد الاجتماعي السوداني
  3. فشل نموذج “اتفاقيات السلام”: تحولت من أدوات لإنهاء الصراع إلى آليات لإعادة إنتاجه بصور مختلفة
  4. مستقبل غامض: بدون تغيير جذري في معادلة القوة أو تدخل خارجي فعال، من الصعب تصور كيف يمكن لرئيس الوزراء تحقيق أي إصلاح حقيقي
  5. ضرورة التفكير خارج الصندوق: الحلول التقليدية لم تعد كافية لمواجهة أزمة بهذا التعقيد والعمق

ما يواجهه رئيس الوزراء ليس مجرد تحديات سياسية أو اقتصادية، بل منظومة متكاملة من السيطرة تجمع بين القوة العسكرية والهيمنة الاقتصادية والتوظيف السياسي للانقسامات المجتمعية والحصانة القانونية – و هي معادلة شديدة التعقيد تحتاج إلى تحولات جذرية قد تتجاوز قدراته وصلاحياته الحالية.

سوار الذهب النوبي

سوار الذهب, مواطن نهري ، اقتصادي متخصص في الاقتصاد الكلي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى