عبدالله الطيب – رمز التفوق في اللغة والأدب السوداني
كيف استطاع البروفيسور السوداني الوصول الى مراكز عليا

عبدالله الطيب البروفيسور السوداني المعروف، ولد في قرية التميراب غرب الدامر في 25 رمضان 1339 هـ – الموافق 2 يونيو 1921م، في بيت دين معروف ينتمي إلى طريقة المجاذيب، التي كان لها بالغ الأثر في تشكيل شخصيته وأخلاقه. تربى في بيئة أدبية وعلمية رفيعة حيث كان الدين والعلم عنوانًا للحياة، حتى أُطلِقت على مدينة الدامر فيما بعد اسم “مدينة المجاذيب”.
نشأ عبدالله الطيب في كنف عائلة حافلة بالعلم والأدب؛ فقد كان والده الطيب عبدالله الطيب، ووالدته عائشة جلال الدين. وتعرض لظروف صعبة في طفولته بفقد والده وهو صغير، مما جعله يعتمد على دعم جدته التي رفضت عنه ترك التعليم لصالح العمل في السوق. برع عبدالله في الرياضيات، فكانت الدرجة المتميزة في هذا المجال هي بوابته للانضمام للمدارس المجانية، مما افتتح له آفاق العلم والمعرفة.
مسيرة بروفيسور عبدالله الطيب التعليمية الأكاديمية
بدأ البروفيسور عبدالله الطيب تعليمه في مدارس كسلا والدامر وبربر، وتمكن لاحقاً من الالتحاق بكلية غردون التذكارية بالخرطوم (جامعة الخرطوم)، إضافة إلى المدارس العليا ومعهد التربية ببخت الرضا. ثم واصل مسيرته التعليمية في جامعة لندن بكلية التربية ومعهد الدراسات الشرقية والأفريقية، حيث حصل على شهادة الدكتوراه من جامعة لندن (SOAS) عام 1950م، ليصبح ثالث سوداني ينال درجة الدكتوراه.
تولّى عبدالله الطيب مناصب أكاديمية رفيعة؛ فقد عمل بالتدريس في أم درمان الأهلية، وكلية غوردون التذكارية، وجامعة بخت الرضا، وجامعة الخرطوم حيث عُين أستاذًا وقاد قسم اللغة العربية، وتولى عمادة كلية الآداب (1961 – 1974م). وأيضاً، أدير جامعة الخرطوم (1974 – 1975م) وكُلف بقيادة أول جامعة جوبا (1975 – 1976م). لم تقتصر إسهاماته على السودان، فقد أسس أيضًا كلية بايرو بكانو في نيجيريا والتي أصبحت فيما بعد جامعة مكتمَلة.
قدم عبدالله الطيب مساهمات عملية لتعزيز اللغة العربية في السودان؛ إذ تم تكليفه بإدخال اللغة العربية إلى الجنوب السوداني عام 1952، حيث قام بزيارة عدد من المدن منها جوبا وموندري ولوكا، وكتب تقريراً عن سبل إدخال اللغة إلى المناهج المحلية على المدى القريب والبعيد.
السيرة المهنية والإنجازات الثقافية
تميز عبدالله الطيب بعطاء علمي وأدبي ساطع. كان عالم لغويًا وشاعرًا، وقد ألقى محاضرات هامة في مجمع اللغة العربية بالخرطوم وكتب عدة مقالات في مجلة المجمع. بالإضافة إلى ذلك، ألف 46 مؤلفاً تناولت موضوعات متنوعة من أدب وشعر وتفاسير قرآنية ودراسات لغوية. من أبرز مؤلفاته:
• المرشد إلى فهم أشعار العرب وصناعتها – 1955
• الأحاجي السودانية (1947 – 1993)
• من نافذة القطار (1964-1993)
• من حقيبة الذكريات – 1989
• القصيدة المادحة – 1964
• سقط الزند الجديد (شعر) – 1976
• أغاني الأصيل (شعر) – 1976
• تفسير جزء عم (1970-1986)
• تفسير جزء تبارك – 1988
• تفسير جزء قد سمع – 1993
• شرح أربع قصائد لذي الرمة (1958-1993)
• بين النير والنور (شعر ونثر) – 1970
• الحماسة الصغرى (جزءان: 1960 أول مطبعة أكسفورد، 1970 بالخرطوم)
• تاريخ النثر الحديث في السودان – 1959
• وتشمل قائمة مؤلفاته مسرحيات شعرية مثل “زواج السمر”، “الغرام المكنون”، و”قيام الساعة”.
لم يقتصر تألقه على المجال الأكاديمي فحسب؛ فقد أسهم ملحوظاً في العمل الثقافي بإدارته لعدد من المؤسسات الثقافية العربية، كما شغل عضوية في تحرير الموسوعة الأفريقية بغانا ومجمع اللغة العربية بالقاهرة، وتقلّد رئاسة اتحاد الأدباء السودانيين.
تأثيره الدولي والعلاقات الشخصية
حظي عبدالله الطيب بتقدير عالمي، إذ تمت دعوتُه إلى إعطاء محاضرات في عدد من الجامعات العربية والأفريقية والبريطانية. عاش تجربة الابتعاث في بريطانيا عام 1945، حيث تميّز بين الزملاء السودانيين الواعدين، وبعد حصوله على الدكتوراه بقي في لندن لفترة قصيرة كمحاضر. خلال فترة تواجده البريطانية، تزوّج من غريزلدا امرأة إنجليزية، وقد وثّقت زوجته تجربتها في الحياة بمدن بريطانيا والنشاط الأكاديمي والثقافي الذي مارسه.
ومن الجدير بالذكر أن الأديب المصري طه حسين قد أثنى عليه، حيث استضافه وزوجته بمنزله وقدّم له كتابه “المرشد”، معبراً عن إعجابه الكبير بكتابات هذا الشاب السوداني الفذ.
الملك فيصل يكرم البروفسور عبدالله الطيب

وصل عبدالله الطيب إلى ذروة الإبداع والتميز، وتُوج جهداته الحثيثة بحصوله على جائزة الملك فيصل العالمية في اللغة العربية والأدب عام 2000م عن كتابه “المرشد إلى فهم أشعار العرب وصناعتها”. كان له دور فعال في لجان تحكيم الجائزة لمدة عشر سنوات قبل أن يفوز بها، وفي سنّته الموعودة لم يقفز مجرد تكريم بل كان اعترافاً عالميًا بإسهاماته الثقافية والأدبية.
الرحيل والإرث
أقرأ ايضا: الشاعر السوداني إسماعيل حسن : سيرة إنسان خلد تراثه بأحرف من نور
توفي عبدالله الطيب في 19 ربيع ثاني 1424 هـ – الموافق 19 يونيو 2003م، إثر إصابته بجلطة دماغية، لن يخلُ ذكراه من مكانة رفيعة في الذاكرة الثقافية والأدبية للسودان والعالم العربي. ترك وراءه إرثاً غنيّاً من المؤلفات والإنجازات التي تُظهر شغفه باللغة العربية وحبه العميق للأدب.
ختاماً، يظل البروفيسور عبدالله الطيب رمزاً من رموز النهضة الثقافية السودانية والعربية، وإنجازاته ستظل منارة ينيرها كل من يسعى لفهم اللغة والأدب في المجتمعات العربية
المصادر
أول، ثالث