يظهر في تاريخ صراعات القبائل في دارفور في السودان نمط متشابك ومعقد من الصراعات الداخلية، حيث تصبح الحروب مصدر إمداد دائم للصراعات الجديدة، تماماً كما تنهل آلة الساقية من المياه لتصبّ فيما بعد في تدفق دائم. يمكننا من خلال دراسة المعطيات التاريخية للصراع الدارفوري مقارنة وجه الشبه بين سلاسل الأحداث هناك وآلية عمل الساقية في نقل المياه؛ إذ تستمد الأخيرة قوتها وطاقتها من مصدر واحد وتوجهها نحو سلسلة متصلة من العمليات، فيما يستمد دارفور طاقته القتالية من حرب إلى حرب.
جذور الصراع في دارفور
على مر التاريخ، كان صراعات القبائل في دارفور قائمًا منذ عقود بين المكون الزنجي (المعروف أيضًا باسم “الزرقة”) والعرب. نشأت جذور هذا الخلاف في علاقات اجتماعية واقتصادية وثقافية متباينة، أدت إلى تشكل خطوط انقسامات جوهرية بين المجموعات. في هذه الحالة، تشبه العلاقة بين العرب والزرقة الحلقة الكبرى في آلة الساقية، حيث تعد الشق الأساسي الذي تنطلق منه باقي الحركات والصراعات، بالضبط كما يدور محور الحلقة الكبرى في نقل الحركة إلى باقي أجزاء الساقية. اقرأ المزيد عن تاريخ دارفور على ويكيبيديا.
تحول الصراع في الألفية الجديدة
مع بداية الألفية الجديدة، وخصوصاً في عام 2003، اندلع تمرد الحركات المسلحة على الدولة في كتطور لصراعات القبائل في دارفور، متظاهرةً بالغضب الشعبي والمطالبة بالتغيير والعدالة. كان هذا التمرد بمثابة نقطة تحول حاسمة، حيث انتقلت الحركة من خلافات تقليدية إلى مواجهة مباشرة مع السلطة المركزية. هنا نجد تشابهاً بمرحلة التحريك الثانوية في الساقية، حيث يبدأ “التكم” أو ذراع الحركة في نقل الطاقة إلى الحلقات الأصغر، مما يخلق سلسلة من التحركات المستمرة. تعرف على المزيد حول أحداث 2003 في دارفور.
التجمع العربي والدعم السريع
أدى هذا التحول إلى تشكيل تكتل متماسك للمكونات العربية، ما عُرف بالتجمع العربي، والذي تطور لاحقاً إلى ما يُعرف بدعم سريع. هذا التكتل كان بمثابة آلية رافعة تعمل على توحيد المواقف وتنظيم الصفوف ضد المكون الزنجي. يمكن ملاحظة أن تلك العملية تشابه إلى حد كبير آلية الحلقة الصغرى في الساقية. اطلع على تقرير منظمة العفو الدولية حول الصراع.
تمرد الدعم السريع وتعقيد الصراع
في مراحل لاحقة، شهدت دارفور تمرد الدعم السريع، أي العرب الدارفوريين أنفسهم ضد الدولة. هذه الخطوة التي جاءت من داخل التيار العربي تؤكد مدى تعقيد الحلقة الدموية في دارفور، فكما في آلة الساقية التي تدور فيها أجزاء مختلفة بعضها على البعض وتترابط في حلقة واحدة لا تنفصم، نجد في دارفور دائرة مفرغة من التمردات والخلافات التي لا تتوقف. اقرأ المزيد عن النزاعات الداخلية في السودان.
الخاتمة: دارفور كآلة الساقية
يمكننا القول إن دارفور اليوم يشبه إلى حد كبير آلة الساقية في نظامها المعقد؛ فكل قوة أو مكون يلعب دوره في تحريك الآلة من مرحلة إلى أخرى. إن التشبيه بين دور آلة الساقية في ري الأراضي ومراحل الصراع في دارفور ليس مجرد مقارنة سطحية، بل هو استحضار لصيغة النظام الذي يُمكن رؤيته في تاريخ دارفور. تابع آخر المستجدات عبر تقارير الأمم المتحدة. اقرا https://nilefree.com/%d9%83%d8%aa%d8%a7%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%a7%d8%b1%d9%8a%d8%ae-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%af%d8%b1%d8%b3%d8%a9-%d9%85%d8%a7-%d9%82%d8%a7%d9%84-%d9%84%d9%8a%d9%86%d8%a7-%d8%b9%d8%a8%d8%af/
