المقالات

نقض أكذوبة “المركز والهامش” في السودان

تفنيد ادعاء كاذب

إن جدلية المركز والهامش التي يروج لها ابناء دارفور في السياق السوداني تعد أكذوبة تاريخية وثقافية لا أساس لها من الصحة. هذه المقولة تتجاهل عمداً الحقائق التاريخية الدامغة حول الجذور الحضارية العميقة للمنطقة النهرية، وتسعى إلى شيطنة سكانها وتصويرهم كمستغلين للسلطة، في حين أن التفوق الحضاري والثقافي لهذه المنطقة له جذور تاريخية عميقة تسبق بآلاف السنين تشكّل الدولة السودانية الحديثة.

الوجود الحضاري العريق للمنطقة النهرية

إرث تاريخي يمتد لآلاف السنين

  • حضارة متواصلة: المنطقة النهرية في السودان تحتضن تاريخاً حضارياً متصلاً يمتد لأكثر من 5000 عام، مع حضارات مزدهرة مثل كرمة (2500 ق.م)، نبتة، مروي، والممالك المسيحية النوبية، ومن ثم الممالك الإسلامية.
  • شواهد أثرية دامغة: المواقع الأثرية المنتشرة على طول وادي النيل مثل جبل البركل، نوري، المصورات، مروي، الدبة، سوبا تقدم شهادات مادية لا تُدحض على استمرار الوجود الحضاري.
  • استمرارية سكانية: لم ينقطع الاستيطان البشري في هذه المنطقة عبر التاريخ، ما أدى إلى استمرارية ثقافية وحضارية فريدة.
حضارة وادي النيل

جزء من حضارة وادي النيل الكبرى

  • الانفتاح الشمالي الحضاري: كانت المنطقة النهرية في السودان امتداداً طبيعياً لمصر القديمة وحضارات البحر المتوسط، مع وجود تفاعل مستمر مع هذه المراكز الحضارية عبر آلاف السنين.
  • تبادل معرفي وثقافي: أثبتت الدراسات التاريخية والأثرية وجود علاقات تجارية وثقافية ودينية مستمرة مع مصر والشرق الأدنى والعالم المتوسطي.
  • التأثير المتبادل: تأثرت المنطقة بالحضارات المجاورة وأثرت فيها، كما يتضح من العمارة والفنون والنظم السياسية.

دارفور والغرب: انتماء حضاري مختلف

سياق حضاري متمايز

  • الانتماء الحضاري لغرب أفريقيا: ترتبط دارفور والمناطق الغربية تاريخياً وثقافياً بمنطقة سهول غرب أفريقيا وممالكها مثل كانم-برنو وممالك الهوسا ومالي و سنغاي.
  • كيانات سياسية مستقلة: تشكلت في المنطقة الغربية كيانات سياسية مستقلة عن وادي النيل مثل سلطنة الفور (1650-1916) و سلطنة المساليت والممالك الصغيرة الأخرى.
  • توجه تجاري غربي: كانت الروابط التجارية لدارفور مع تشاد ونيجيريا وليبيا أكثر من ارتباطها بوادي النيل.

الاندماج الحديث جداً

  • اتصال متأخر: لم تنضم دارفور إلى السودان إلا في عام 1916م، أي قبل أقل من 110 عام، وهي فترة وجيزة جداً بالمقاييس التاريخية.
  • الهجرة الحديثة: بدأت هجرة سكان دارفور نحو المناطق النهرية بأعداد كبيرة خلال الثمانين سنة الأخيرة فقط، خاصة بعد موجات الجفاف وتطور المشاريع الزراعية في وسط السودان.
  • الاختلاف الثقافي: هناك اختلافات ثقافية جوهرية بين سكان المنطقتين من حيث النمط المعيشي والقيم والتراث الثقافي، نتيجة للانتماء لسياقين حضاريين مختلفين.

تفنيد أكذوبة “المركز والهامش”

الأفضلية التاريخية وليست السياسية

  • تفوق حضاري وليس سياسي: إن أي تفوق نسبي لسكان المنطقة النهرية ينبع من الإرث الحضاري العريق والتراكم المعرفي عبر آلاف السنين، وليس من استغلال للسلطة أو الموارد.
  • سبق تاريخي: كانت المنطقة النهرية مركزاً للحضارة قبل آلاف السنين من تشكّل الدولة السودانية الحديثة ونظامها السياسي.
  • التراكم المعرفي: النظام التعليمي والمعرفي الراسخ في المنطقة النهرية يعود لعصور سحيقة، وليس نتاج سياسات الدولة الحديثة.

نفي فرضية الاستغلال والتهميش

  • ادعاء بلا سند تاريخي: لا يوجد أي دليل تاريخي على وجود سياسة ممنهجة لتهميش دارفور من قبل سكان المنطقة النهرية، بل إن التفاوت التنموي نتيجة طبيعية لاختلاف في مسارات التطور التاريخي.
  • التأخر الزمني في الاندماج: من المنطقي أن مناطق انضمت متأخرة للدولة الحديثة ستحتاج وقتاً للتكيف مع النظم الإدارية والتعليمية الجديدة.

خاتمة: حقائق التاريخ تنقض الادعاءات المسيسة

إن مقولة “المركز والهامش” ليست سوى أداة سياسية مصطنعة تهدف إلى شيطنة سكان المنطقة النهرية وتجريدهم من إرثهم الحضاري العريق. الحقائق التاريخية تؤكد أن التفوق النسبي للمنطقة النهرية هو نتاج طبيعي لخمسة آلاف عام من التطور الحضاري المتصل، والانفتاح على مراكز الحضارة العالمية في مصر والشرق الأدنى والمتوسط.

المطلوب هو الاعتراف بهذه الحقائق التاريخية دون تزييف، والبناء عليها نحو مستقبل يستفيد من كل الروافد الثقافية للسودان، بدلاً من نشر أفكار مغلوطة تؤجج الانقسام وتشوه التاريخ. إن الإرث الحضاري العريق لوادي النيل في السودان هو حقيقة تاريخية دامغة وليس محض ادعاء، وفهم هذه الحقيقة هو بداية فهم الصراع في الواقع السوداني بأبعاده المختلفة.

سوار الذهب النوبي

سوار الذهب, مواطن نهري ، اقتصادي متخصص في الاقتصاد الكلي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى