ثقافة و فن

الأسطورة والموروث في ثقافة النوبيين القديمة

لا تزال الأساطير والخرافات المرتبطة بالسحر والجن والعوالم الغيبية حاضرة بقوة في الثقافة النوبية، إذ تمتد جذورها إلى الموروثات القديمة، وشكّلت جزءاً كبيراً من التكوين النفسي للنوبيين. وزيادةً في انتشار هذه المعتقدات وترسيخها، نجد قبائل وعائلات تستمد قوتها من علاقتها بسكان أعماق النهر والعوالم الغيبية، ووجود السحرة الذين يحصلون على القرابين.

المعتقدات والأساطير

في معتقدات سكان بلاد النوبة القديمة، هناك كائن خرافي يأتي من “ناوا” النوبية في موسم فيضان النيل، حين ترتفع درجة الحرارة إلى ما يقارب الخمسين درجة، ولا يأكل إلا عظام الآدميين، ويتربص لاصطياد الأولاد الذين ينزلون إلى النيل في وقت القيلولة.

علاقة النوبيين بالحيوانات والرموز

تلعب الموروثات القديمة دوراً كبيراً في علاقة النوبيين بالحيوانات والطيور والأرقام. فهم يخافون من العقرب، ومع ذلك يرسمونه على جدران بيوتهم وينقشونه على الحلي، فقد كان رأسه رمزاً لبعض آلهة النوبة في العصور القديمة. أما الديك فيعتبرونه رمزاً للسيطرة على القوى الغيبية، ويربونه في البيت لطرد الشيطان. وكان قدماء النوبيين يكتحلون بدم الديك، ويستخدمون عظامه لعلاج الحمى، وروثه للتخلص من السموم. أما الحمام فيحسنون معاملته ظناً منهم أنه ربما يتلبس روح أحد الأقارب.

الأرقام والمعتقدات

يعتقد النوبيون إلى اليوم أن هناك أرقاماً بعينها مثل: 40، 7، و3 تُمثل تعويذة سحرية، ويستبشرون بشهور وأيام، ويتطيرون من أخرى وفقاً لاعتقاداتهم. مثلاً، المرأة النوبية عندما تلد تكنس بيتها بعد أربعين يوماً من الولادة، وتلقي بما كنسته في نهر النيل، وتستحم ثم ترش ماء استحمامها على الطريق كي يمر عليه الناس ظناً منها أنها بتلك الطريقة سوف تحمل مرة أخرى، أما الأرملة فتذهب لزيارة قبر زوجها لأربعين يوماً حاملة الماء والطعام لروحه.

التقاليد المرتبطة بالأعراس

ترتبط الأعراس وحفلات الزفاف النوبية بسحر الأرقام، فجرت العادة أن تستمر الأفراح والغناء والرقص سبعة أيام. العريس قبل دخوله غرفة الزوجية يشرب ثلاث رشفات من اللبن الرائب ثم يطرق بابها بسيفه ثلاث طرقات، ويجب أن يستحم بمياه النيل سبعة أيام منذ “الصباحية”. وإذا أرادت الزوجة الأولى إزعاج ضرتها والاستئثار بالزوج، تجلب ثلاث تمرات ليقرأ عليها الساحر تعزيمة معينة ثم تقدمها للزوج ليأكلها.

تأثير الأساطير على الأدب النوبي

لم يقتصر تأثير السحر والأساطير على العمارة والأزياء، بل امتد إلى الصعيد الأدبي. ألقت الأسطورة والغرائبيات بظلالها على الأدب النوبي وأكسبته مذاقاً خاصاً. من الأمثلة الشهيرة: “الخرافة والأسطورة في بلاد النوبة” للكاتب النوبي المصري إبراهيم شعراوي، حفيد الرِّاوية النوبية الشهيرة “زينب كوتود”، التي تُنسب إليها الكثير من حكايات الجدات في النوبة.

في تلك السير والقصص التراثية، نجد حضوراً قوياً للكائنات الخرافية المستلهمة من البيئة النوبية، كالتماسيح إضافة للكائنات ذات البعد الأسطوري، كعشق الإركبي، والمعروف في الأساطير النوبية بقوته وبطشه، والفأر بروك الذي ولد لأسرة بشرية، وأسطورة الشاوشاو أو الحجل الذي تزين به النساء النوبيات سيقانهن.

أساطير وحكايات شعبية

تحضر كذلك أساطير عدة مثل: “زينب كوتود”، و”الإريكبي أو العرقبي”، و”فاطمة السمحة والغول” في كتاب “حكايات من النوبة” للأديب والمؤرخ السوداني المتميز، جمال محمد أحمد، صاحب الأصول النوبية. يحتوي هذا الكتاب على حكايات شعبية حية، لا يزال الناس يحفظون بعضها، ويرددونها. وهي حكايات لها دلالاتها الأسطورية والفولكرية، وتصور ما تمتاز به الثقافة النوبية الأصيلة وما يكتنفها من عجائب تمتد جذورها إلى عصور قديمة.

موسوعة برلمان الشماليه الشعبي

بقلم: حمدي الدالي

سوار الذهب النوبي

سوار الذهب, مواطن نهري ، اقتصادي متخصص في الاقتصاد الكلي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى