المقالات

خطابات المسؤولين الدائرة المفرغة: حين يشكو صناع القرار من نتائج قراراتهم

عند تحليل هذه ظاهرة خطابات المسؤولين من منظور التفكير النقدي، يمكن النظر إليها من عدة زوايا:

تفسيرات محتملة للظاهرة:

  1. تخفيف المسؤولية: قد يكون هذا السلوك استراتيجية لتوزيع المسؤولية وتحويلها جزئياً عن صناع القرار أنفسهم ونقلها إما لقيادات سابقة أو لظروف خارجية.
  2. استراتيجية إعلامية: قد تكون الخطابات وسيلة للتحكم في السردية العامة وشغل الرأي العام بقضايا معينة بدلاً من أخرى.
  3. محاولة كسب التعاطف: قد تهدف هذه الخطابات إلى استمالة الرأي العام عبر إظهار أصحاب السلطة بمظهر المدركين للمشاكل والساعين لحلها.
  4. صراعات داخلية: قد تعكس الخطابات المتعددة انقسامات داخل هيكل السلطة وصراعاً على النفوذ.

حالة نموذجية: تبادل الاتهامات في قمة الهرم السلطوي

من المظاهر المثيرة للتأمل في هذا السياق، تلك الحادثة الغريبة التي تتجلى في قيام القائد العام في لقاء مع الجهاز التنفيذي للدولة باتهام وزراء ومسؤولين بتهم خطيرة تتعلق بالفساد والمحسوبية والتعامل مع الوزارات كأنها أملاك خاصة. ليتبع ذلك خروج نائبه المدني واتهامه للرئيس نفسه بأنه يستخدم أفراد مكتبه لممارسة الفساد، ثم يخرج وزير ليرد على الاثنين معاً.

هذه التصرفات تشير إلى:

  1. انهيار منظومة المساءلة المؤسسية: حيث تحولت المساءلة من آليات مؤسسية منتظمة إلى مشاحنات إعلامية متبادلة.
  2. تفكك البنية السلطوية: إذ تعكس هذه الظاهرة تصدعاً خطيراً في وحدة القرار السياسي وتماسك فريق الحكم.
  3. استخدام الاتهامات كسلاح سياسي: تحويل ملفات الفساد من قضايا تخضع للقانون والمحاسبة القضائية إلى أدوات للضغط السياسي والمناورة.
  4. فقدان المصداقية المؤسسية: عندما تتبادل أعلى سلطات الدولة الاتهامات علناً، يتآكل ثقة المواطنين في المؤسسات بشكل عام.
  5. غياب الإدارة الرشيدة للأزمات: بدلاً من التعامل مع مشكلات الفساد بشكل منهجي ومؤسسي، يتم تسييسها وتحويلها إلى مادة للاستهلاك الإعلامي.

تحليل نقدي للممارسة:

  • تناقض الرسالة والدور: هناك تناقض أساسي في أن يشتكي أصحاب القرار من الأوضاع التي هم مسؤولون عن إدارتها، مما يثير تساؤلات حول فاعلية دورهم.
  • علاقة السلطة بالمسؤولية: المبدأ الديمقراطي يفترض أن تتناسب المسؤولية مع مستوى السلطة، فكلما زادت السلطة زادت المسؤولية.
  • الشفافية مقابل الكفاءة: رغم أن الشفافية قيمة مهمة، فإن الإفراط في تشخيص المشكلات دون تقديم حلول عملية قد يعمق حالة الإحباط العام.
  • الصراع العلني كمؤشر خطير: عندما ينتقل الصراع داخل دوائر الحكم إلى الفضاء العام بهذه الطريقة المباشرة، فهذا يعد مؤشراً على أزمة حوكمة عميقة وعدم القدرة على حل الخلافات داخل الأطر المؤسسية.

الاستنتاج:

ظاهرة خطابات المسؤولين تعكس حالة متقدمة من التفكك المؤسسي وانهيار آليات الحوكمة الداخلية. إن تبادل الاتهامات بالفساد بين أعلى مستويات السلطة يوحي بوجود أزمة نظامية شاملة، حيث تحولت قضايا الحكم من إدارة الشأن العام إلى صراعات شخصية ومصالح متضاربة.

مثل هذه الممارسات تعمق من فجوة الثقة بين المواطنين والسلطة، وتخلق حالة من الارتباك المجتمعي حول من يتحمل المسؤولية الحقيقية وكيف يمكن محاسبته. في ظل هذا المشهد، تصبح الحاجة ملحة لإعادة بناء منظومة مؤسسية للمساءلة والمحاسبة تعمل بآليات واضحة بعيداً عن الاستعراض الإعلامي، وإعادة تأسيس العلاقة بين السلطة والمسؤولية على أسس شفافة وديمقراطية .

سوار الذهب النوبي

سوار الذهب, مواطن نهري ، اقتصادي متخصص في الاقتصاد الكلي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى