رموز النهريين

الدكتور حسن عباس صبحي سيرةُ علمٍ وأدبٍ صُنعت بين شندي وأدِنبرة وتبوك

وُلد الدكتور حسن عباس صبحي في مدينة شندي العامرة بالخضرة عام 1928 وحفظ القرآن على يد والده الشيخ عباس صبحي الذي خُصِّص حيٌّ كاملٌ في المدينة باسم «ديم عباس» تكريمًا له. أمضى سنوات طفولته الأولى في شندي قبل أن ينتقل إلى عطبرة لمتابعة المرحلة الوسطى، وهناك لمع نبوغه اللغوي على يد أستاذه عبد القادر شريف الذي غرس فيه حبّ الإنجليزية وفنون الإلقاء.

المرحلة الثانوية وبواكير التكوين الفكري
تفتحت مواهبه في مدرسة وادي سيدنا الثانوية حيث جمع بين التديُّن العميق والولع بالأدب والفلسفة. نهل من السيرة النبوية وشخصية عمر بن الخطاب، وتأثر بعبقرية عباس محمود العقاد و بسلمية المهاتما غاندي. قرأ تاريخ اليونان وفلسفتهم، وتجوّل في أعمال شكسبير وسقراط وديكنز، كما انشغل بالتأريخ العباسي والأندلسي والثورة المهدية، و استهوته ملاحم الأدب الشعبي السوداني في شخصيات الحاردلو ومهيرة بت عبود.

التعليم الجامعي وبداية الطريق المهني
بعد تخرجه في الثانوية سافر إلى القاهرة ليلتحق بجامعة الملك فؤاد الأول (جامعة القاهرة حالياً) ويتخرج عام 1954 في قسم اللغة الإنجليزية. ما إن عاد إلى السودان حتى طرق أبواب الإذاعة؛ فدخل ميكروفون «هنا أم درمان» صوتًا قرويًّا رنانًا وقدّم برامج لاقت متابعة واسعة مثل «موضوع يهمك» و«أديب في دائرة الضوء» وفقرة «الليل» في اليوم المفتوح.

إذاعة الـBBC وتضامن العدوان الثلاثي
مع منتصف الخمسينيات انتقل إلى القسم العربي بهيئة الإذاعة البريطانية في لندن، لكنها كانت إقامة قصيرة؛ إذ ما إن اندلع العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 حتى ترك موقعه تضامنًا مع العروبة وعاد إلى الخرطوم ليبدأ فصلًا جديدًا في الجامعة والتدريس.

المسار الأكاديمي والدكتوراه
عُيّن محاضرًا بجامعة الخرطوم ثم جامعة أم درمان الإسلامية، وراح يرسّخ علم الأدب المقارن. في عام 1968 نال الدكتوراه من جامعة إدِنبرة بالمملكة المتحدة برسالة عنوانها «أثر الكتّاب الإنجليز الحديثين في الشعراء العرب 1931–1960»، وقد احتوت على ترجمة مئة قصيدة عربية إلى الإنجليزية. بعد حصوله على الدرجة عاد إلى جامعته، وترقى إلى أستاذ مساعد عام 1975 ليتولى رئاسة شعبة اللغة الإنجليزية وآدابها.

المغادرة إلى السعودية واستكمال الرسالة
في النصف الثاني من السبعينيات أُعير إلى كلية التربية للبنات في تبوك بالمملكة العربية السعودية، حيث ظل رئيسًا لشعبة اللغة الإنجليزية حتى وفاته عام 1990. هناك واصل التأليف والبحث، وترك أثرًا أكاديميًّا واضحًا في تعليم اللغة والأدب الإنجليزيين لطالبات تلك الكلية الناشئة.

إسهاماته العلمية والفكرية
قدّم الدكتور حسن عباس صبحي إلى المكتبة العربية والإنجليزية مؤلفات تُعد مراجع في الجامعات، من بينها «ديوان طائر الليل»، و«الصورة في الشعر السوداني»، و«دور المثقف في المجتمع»، و«في الأدب المقارن». بالإنجليزية نشر كتبًا مثل The Non-Conforming Romantic وPenetrating the Wall وIdealism of Love and Beauty among the Romantics. اشتُهر كذلك بترجماته الأدبية، فعرّب مسرحية The Seventh Man لمايكل رودريغيز وقدّمها عبر الإذاعة المصرية، وترجم كتيب «بلاد الشمس الساطعة» للكاتب الليبي موجا جيكارو، كما ترجم دليل جامعة أم درمان الإسلامية إلى الإنجليزية. وتُعد ترجمته لأغنية «ما شقيتك» للشاعر خضر حسن سعد نموذجًا فريدًا في نقل الشعر الشعبي السوداني إلى القارئ الغربي، إذ استعان بها المستشرق وليَم فاركستون في كتابه عن الشعر العامي العربي.

المشاركات والمؤتمرات
مثّل السودان في مهرجان المربد بالعراق عام 1970، وشارك في وفد الأنبياء إلى صنعاء 1976، وحضر ندوة ابن رشيق بتونس 1981، كما كان عضوًا في الوفد الثقافي الإعلامي إلى القاهرة العام نفسه، ورافق طلاب السودان في الموسم الثقافي بالجامعات المصرية.

المواقع القيادية الثقافية
تقلد رئاسة اتحاد الأدباء السودانيين عام 1976، وتولى أمانة العلاقات الخارجية فيه. كان أمين الثقافة بجمعية الصداقة السودانية الباكستانية، ورئيس لجنة الدراسات الأدبية والترجمة بالمجلس القومي للآداب والفنون، وعضو لجان الآداب والنشر والشعر في المجلس ذاته.

التكريم والأوسمة
تقديرًا لعطائه مُنح وسام العلم والآداب والفنون الذهبي وجائزة الدولة التقديرية من الطبقة الأولى عام 1977، ثم وسام العلامة إقبال الذهبي من الرئيس الباكستاني ضياء الحق عام 1979.

الرحيل والإرث
رحل الدكتور حسن عباس صبحي في تبوك سنة 1990 ودفن هناك، غير أن صوته ما زال يتردّد في ذاكرة الإذاعة السودانية، وأعماله ما زالت تُدرّس في قاعات الجامعات. جمع الرجل بين صوت المذيع وصرامة الأكاديمي وموهبة المترجم، فصار جسرًا حيًّا وصل الأدبين العربي والإنجليزي، وترك إرثًا يصعب تجاوزه في ثقافة السودان الحديثة.

سوار الذهب النوبي

سوار الذهب, مواطن نهري ، اقتصادي متخصص في الاقتصاد الكلي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى