في خضم الدمار الاقتصادي والاجتماعي الذي خلفته الحرب السودانية، برزت معاناة المواطن النهري كأحد أكثر الأوجه الإنسانية مأساوية. فبينما كان إقليم دارفور مركز الصراع، كان المواطنون في مناطق النهر والبحر، بعيداً عن الاشتباكات، يدفعون أثماناً باهظة من خسائر مادية ومعيشية. تخيل مواطناً نهرياً فقد خلال هذه الحرب ما قيمته مليون دولار – ثمرات 35 عاماً من العمل والاجتهاد، ممثلة بمنزل بنى فيه أسرته، وسيارتين استثمر فيهما جهده من خلال الوظيفة أو التجارة. والمفارقة أن الدولة التي دمرته لم تقدم له أي تعويض.
خسارة مليون دولار… ماذا تعني على أرض الواقع؟
قيمة منزل عمره 35 عاماً ويعكس جهود تجميع مدخراته، وسيارتان مستعملتان تعنيان وسيلة النقل والعمل، تشكل رأسماله الحقيقي، وحصيلة عمره، وكانت تدعمه للاستقرار والعيش الكريم. فقدان هذا الميراث المادي يماثل خسارة مصدر أمانه الاقتصادي والاجتماعي الذي بنى عليه توقعات مستقبله ومستقبل أبنائه.
في ظل عدم وجود أي نظام تعويضي رسمي من الدولة – بسبب الأوضاع السياسية والاقتصادية – يصبح المواطن النهري وحده في مواجهة مصير إعادة بناء حياته من الصفر.
نموذج تعويض بدائي: كم من الوقت يحتاج المواطن لإعادة بناء ثروته؟
نفترض نموذجاً بسيطاً بناءً على معطيات واقعية:
- إجمالي الخسائر: 1,000,000 دولار.
- متوسط دخل سنوي مستثمر في إعادة بناء الأصول: 5,000 دولار (وهو مبلغ افتراضي يُمثل قدرة المدخرات والاستثمار الاستهلاكي للمواطن العادي، مع تدخل محدود من القروض أو الدعم).
- معدل العائد على الاستثمار الشخصي: 5% سنوياً.
يمكننا حساب الزمن اللازم لتعويض هذا المبلغ عبر معادلة القيمة المستقبلية للاستثمارات السنوية مع العائد:
S=I×((1+r)n−1)rS=I×r((1+r)n−1)
حيث:
- S=1,000,000S=1,000,000 دولار (الهدف)
- I=5,000I=5,000 دولار (الاستثمار السنوي)
- r=0.05r=0.05 (العائد السنوي)
- nn = عدد السنوات المطلوبة.
نحل المعادلة لإيجاد nn:
((1.05)n−1)0.05=1,000,0005,000=2000.05((1.05)n−1)=5,0001,000,000=200
(1.05)n−1=200×0.05=10(1.05)n−1=200×0.05=10
(1.05)n=11(1.05)n=11
n=ln(11)ln(1.05)≈2.39790.04879≈49.1 سنةn=ln(1.05)ln(11)≈0.048792.3979≈49.1 سنة
ماذا يعني هذا؟
يحتاج المواطن النهري بشكل فردي، إذا استطاع استثمار 5000 دولار سنوياً بعائد مستقر 5%، إلى نحو 49 سنة ليستعيد ما فقده بقيمة مليون دولار.
لو افترضنا أن ظروف الحياة كانت تسمح له بالادخار والاستثمار بمبلغ أكبر من ذلك، مثلاً 10,000 دولار سنوياً، لن تحتاج إلا إلى حوالي 30 سنة لتعويض خسارته. ولكن في واقع الحال، مع محدودية فرص الاستثمار والظروف الاقتصادية الصعبة وغياب التعويض الرسمي، فإن هذه الفترة الطويلة تظهر حجم المأساة.
انعكاسات اجتماعية واقتصادية
- تراجع مستوى المعيشة: فقدان مصدر الثروة يؤثر مباشرة على قدرة الأسرة على توفير الاحتياجات الأساسية، التعليم، والصحة.
- الأعباء النفسية والاجتماعية: تحمّل الخسارة لوحده دون تدخل الدولة يصيب المواطن بالإحباط، وقد يدفع نحو مزيد من الهجرة أو النزوح.
- تفاوت التنمية: مناطق النهر والبحر ستتأخر في التعافي، رغم أنها صممت أن تكون قلب الاقتصاد الوطني.
خاتمة
بينما تسعى الدولة لإعادة بناء الخراب الاقتصادي بخطط طويلة الأمد، فإن المواطن النهري يقف وحيداً أمام خسارته التي يكاد يعجز عن تعويضها طوال حياته. قصة هذا المواطن هي حكاية آلاف الأسر التي لم تحظ بأي تعويض، ورُميت في مواجهة تحديات إعادة البناء بمفردها. إنها دعوة حقيقية لأن يكون التعافي شاملاً، عادلاً، وموصولاً بأهل الأرض الذين كانوا وما زالوا حجر الأساس لأي مستقبل مزدهر.