المقالات

سيف النهريّون حين تُصبح القوّة قَدَراً لا خياراً

على ضِفاف النيل العظيم، حيث ترقُد ذاكرةُ الحضارة في أحضان الطين، وتنبض قصّة الإنسان الأولى في خفقات الماء، هناك يقف النهريّون اليوم كما وقف أجدادُهم منذ فجر التاريخ، يتأمّلون قَدَرهم بعيونٍ أثقلتها الدموع، لكنّها تأبى أن تنطفئ.

حين تصمُت المواثيق، تتكلّم البنادق

هُناك في مدن النهر، حيث تنام الشمس على أكتاف المآذن و المدائن، كان الحُلم بسيطاً: أن نعيش بكرامة في ارضنا. لكنّ الريح هبّت عاتية، وجاءت الذئاب من البراري البعيدة، تحمل في قلوبها حقداً قديماً، وفي أيديها سلاحاً ثقيلاً.

أيُّها النيلُ العظيم، كم من دماءٍ اختلطت بمياهك!
أيتها الأرضُ الطيبة، كم من أجسادٍ احتضنتِ في صمت!

وقفنا ننتظر عدالةً موعودة… انتظرنا صوتاً من بعيد… لكنّ العالم كان منشغلاً بحساباته، والإنسانية كانت غارقةً في سُباتها العميق.

لا شيء يوقظ ضمير العالم سوى صوت البارود.
لا شيء يُسمِع الصُّم سوى دويّ المدافع.

في محراب القوّة تُصاغ أقدار الشعوب

كانت الكلمات جميلة في المواثيق:
“حق تقرير المصير”… “كرامة الإنسان”… “المساواة بين الشعوب”

لكنّ الكلمات وحدها تُشبه قصائد تُلقى على قبور الموتى… جميلة، لكنّها لا تُعيد الحياة.

أيُّها النهريّون، إنّ الأقوياء وحدهم من يكتبون التاريخ. والضعفاء يُكتبون في هوامشه، كأرقامٍ في تقارير ضحايا، أو كقصصٍ تُروى للأطفال عن شعوبٍ كانت هنا، ثم مضت بهم قوافل النسيان.

الفارسُ لا يشكو للريح قسوتها، بل ينسج من خيوط العاصفة ثوباً لفرسه.
والنهرُ لا يتوسّل للصخرة أن تفسح له الطريق، بل يحفر في قلبها طريقاً.

صلاة

هذا نشيد للحرب. هذه دعوةً للدماء.
هذه صلاة فى محراب البقاء.

أيّها النهريّون، إنّ العين التي لا تملك سيفاً، ستظل تذرف دموعاً.
واليد التي لا تقبض على زناد، ستظل مفتوحةً تستجدي العطف.

فلتكن قوّتُكم مندفعة كماء النيل، وصلبة كصخور الجبال.
قوّةٌ تبغي الانتقام، و تمنع الإبادة.
قوّةٌ تسعى للهيمنة، و تضمن البقاء.

أغنية للفجر القادم

حين ينام أطفالكم الليلة، احكوا لهم قصة شعبٍ عرف كيف يبني قوّته من بين أنقاض المأساة.
قولوا لهم: نحن لسنا ضحايا التاريخ، بل صُنّاعه.

علّموهم أنّ الكرامة لا تُهدى، بل تُؤخذ.
وأنّ المستقبل لا يُمنح، بل يُصنع.

والقوّة ليست مجرّد سلاح، بل هي:

  • وحدة الصفوف حين تعصف الرياح
  • معرفةٌ تخترق ظلام الجهل
  • اقتصادٌ يبني الاستقلال
  • إرادةٌ لا تنحني أمام العواصف

تراتيل للحاضر المُرّ

لو كان أمل دنقل بيننا اليوم، لأضاف إلى “لا تصالح” صرخةً أخرى: “كن قوياً”

فالقويّ وحده من يُدعى إلى طاولة المفاوضات.
والقويّ وحده من تُحترم كلمته في محافل الأمم.
والقويّ وحده من يمتلك رفاهية السلام العادل.

أمّا الضعيف… فكلّ السلام الذي يُعرض عليه هو سلام المقابر.

سيف النهرين

نشيدٌ للنهضة القادمة

من رماد الحرائق، ستنبت بذور الغد.
ومن دموع الثكالى، سيتشكّل نهرٌ جديد.

أيّها النهريّون، أبناء الحضارة الأولى:
اجعلوا من جراحكم دروساً
ومن مآسيكم مشاعل
ومن أحزانكم قوّة

وقولوا للعالم: نحن هنا… باقون كالنيل، متجدّدون كمياهه، عميقون كتاريخه.

لا تساوموا على قوّتكم… فالقوّة ليست خياراً، بل قَدَر شعبٍ يريد البقاء.

وحين يسألكم التاريخ يوماً: ماذا فعلتم لتبقوا؟
أجيبوه: صنعنا من أحزاننا سيوفاً، ومن آلامنا دروعاً، ومن إرادتنا مستقبلاً.

هكذا تحكي الشعوب قصّة بقائها.
وهكذا يكتب النهريّون فصلهم القادم في سِفر الزمن.

سوار الذهب النوبي

سوار الذهب, مواطن نهري ، اقتصادي متخصص في الاقتصاد الكلي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى