المقالات

الإسلاميون ومستقبل السودان المنقسم: تحليل نقدي لأزمة الفكر والممارسة

في خضم الحرب المستعرة في السودان، تتشكل معالم مستقبل جديد للبلاد بعيداً عن الأوهام الأيديولوجية. يقدم هذا التحليل قراءة نقدية لعجز الحركة الإسلامية عن استيعاب التحولات الجذرية المحتملة، خاصة سيناريو انقسام السودان إلى دولتين، وهو السيناريو الذي تشير إليه مختلف المؤشرات والشواهد الموضوعية.

أولاً: مؤشرات انقسام السودان وتعامي الإسلاميين عنها

1. الواقع الجيوسياسي الجديد

تتضافر عدة عوامل تجعل من انقسام السودان احتمالاً قوياً ومرجحاً:

  • استمرار الصراع العسكري دون حسم واضح
  • تشكل مناطق نفوذ جغرافية متمايزة للأطراف المتصارعة
  • تدخلات إقليمية ودولية ذات مصالح متضاربة
  • تعميق الانقسامات الاجتماعية والقبلية

لكن القيادات الإسلامية تواصل تجاهل هذه المؤشرات، متمسكة بخطاب وحدوي مثالي يتجاوز معطيات الواقع.

2. العمى الأيديولوجي كعائق معرفي

تمثل الأيديولوجيا الإسلامية السياسية حاجزاً معرفياً يمنع أتباعها من:

  • تقبل فكرة الانقسام باعتبارها “هزيمة” لمشروعهم القومي
  • استيعاب أن الجغرافيا السياسية للمنطقة تخضع لمعادلات قوة متغيرة
  • إدراك أن وحدة الأوطان ليست قيمة مطلقة بل مشروطة بالعدالة والاستقرار

ثانياً: الخطاب القومي الإسلامي ومفارقاته

1. التناقض بين الشعارات والممارسات

يستخدم الإسلاميون خطاباً قومياً بغلاف ديني لمواجهة فكرة الانقسام، لكن هذا الخطاب يصطدم بـ:

  • مسؤوليتهم التاريخية عن تعميق الانقسامات المجتمعية خلال فترة حكمهم
  • سياساتهم السابقة التي فاقمت مشكلات الأطراف وأججت النزعات الانفصالية
  • دورهم في ترسيخ نموذج مركزي استئثاري أضعف الرابطة الوطنية

2. الوقوف ضد عجلة التاريخ

تظهر محاولات الإسلاميين لتعبئة الرأي العام ضد فكرة الانقسام كمحاولة بائسة للوقوف ضد معطيات الواقع:

  • تجاهل تحولات السياسة الدولية التي لم تعد ترى في وحدة الدول قيمة مطلقة
  • عدم استيعاب درس انفصال جنوب السودان كنتيجة لفشل نموذج الدولة المركزية
  • الإصرار على خطاب وطني رومانسي لا يستند إلى آليات عملية للتعايش

ثالثاً: خلل المنظومة الفكرية وأثره على قراءة المستقبل

1. القصور المنهجي

تعاني المنظومة الفكرية للحركة الإسلامية من قصور منهجي يتجلى في:

  • النظر للواقع من خلال نصوص مقدسة دون اعتبار كاف للسياقات المتغيرة
  • الخلط بين المثال والواقع في التفكير السياسي
  • تغليب “ما ينبغي أن يكون” على “ما هو كائن” في التحليل السياسي

2. الغباء السياسي كنتاج للتفكير الأحادي

يمثل ما يمكن وصفه بـ”الغباء السياسي” نتيجة طبيعية لـ:

  • رفض التعددية الفكرية داخل التنظيم
  • تجاهل الخبرات العالمية في إدارة التنوع والصراعات
  • الإصرار على رؤية الصراع من منظور مانوي (خير مطلق ضد شر مطلق)

رابعاً: مستقبل الإسلاميين في سيناريو انقسام السودان

في حال تحقق سيناريو انقسام السودان، سيواجه الإسلاميون خيارات محدودة:

1. سيناريو التشتت والهامشية

  • توزعهم بين كيانين سياسيين لا يرغب أي منهما في منحهم نفوذاً حقيقياً
  • فقدان القاعدة الجغرافية الموحدة التي كانت تمنحهم قوة وتأثير
  • تحولهم إلى أقليات سياسية هامشية في الكيانين الجديدين

2. سيناريو المراجعة الجذرية

  • قد يضطر بعضهم إلى مراجعة جذرية لموقفهم من مسألة الدولة والهوية
  • التخلي عن الخطاب القومي التقليدي وتبني رؤية أكثر واقعية للعلاقات بين المجتمعات
  • إعادة تعريف دورهم كحركة اجتماعية وثقافية بدلاً من الطموح السياسي الشامل

الخلاصة

يشكل إصرار الإسلاميين على الترويج للخطاب القومي تحت غطاء أيديولوجي مثالاً صارخاً على عجز الحركات الأيديولوجية عن التكيف مع معطيات الواقع. إن وقوفهم ضد احتمال انقسام السودان ليس نابعاً من تقدير موضوعي للمصلحة الوطنية، بل من خلل في منظومتهم الفكرية يمنعهم من استيعاب التحولات الجيوسياسية والاجتماعية العميقة.

في النهاية، قد يكون انقسام السودان إلى دولتين حقيقة تاريخية قادمة تشكل نهاية نهائية لمشروع الإسلاميين السياسي في صيغته التقليدية. والمفارقة أن عجزهم عن استباق هذا التحول والتكيف معه بذكاء سياسي يعجل بتهميشهم في المشهد السياسي القادم، مما يؤكد أن الأيديولوجيا حين تتحول إلى نظارات مغشوشة لا تصبح أداة للفهم بل عائقاً أمام البصيرة.

أقرأ ايضا

سوار الذهب النوبي

سوار الذهب, مواطن نهري ، اقتصادي متخصص في الاقتصاد الكلي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى