مدائن و أماكن

الدامر “دار الأبواب” … إحدى أقدم مدن شمال وشرق أفريقيا

تُعدّ مدينة الدامر، عاصمة ولاية نهر النيل شمال السودان، واحدة من أقدم المدن في منطقة شمال وشرق أفريقيا. تقع على الضفة الشرقية لنهر النيل، على بعد حوالي 300 كيلومتر شمال الخرطوم و13 كيلومتراً جنوب مدينة عطبرة، وتمتد جنوب مقرن نهر عطبرة مع نهر النيل. تتميّز الدامر بتاريخها العريق ودورها الإداري والثقافي، حيث كانت ولا تزال مركزاً للمعرفة والحضارة.

1. الدامر في التاريخ: مدينة لم تنقطع عنها الحياة

  • تشير الدراسات الأنثروبولوجية الحديثة إلى أن الدامر من أقدم المدن في شمال وشرق أفريقيا، وتُصنّف ضمن عشر مدن في العالم لم ينقطع عنها الاستيطان البشري عبر العصور.
  • تحتوي المدينة على حفريات تعود لآلاف السنين، مما يؤكد عمق جذورها التاريخية.
  • كانت تُعرف في العصور الوسطى الحديثة بـ”دار الأبواب”، ويُعتقد أن الاسم يعود لكونها نقطة تقاطع لطرق تجارية تربط بين حضارات كوش ومروي في شمال وشرق ووسط السودان.
الدامر "دار الأبواب" … إحدى أقدم مدن شمال وشرق أفريقيا

2. المجاذيب ودورهم في تأسيس المدينة

  • يرتبط تاريخ الدامر ارتباطاً وثيقاً بتاريخ المجاذيب، وهم أسرة دينية لعبت دوراً كبيراً في نشر العلم والدين.
  • جدهم الأكبر، إدريس بن حمد، عاش فترة طويلة في مكة المكرمة، ونشر أبناؤه تعاليمه في مناطق مختلفة من السودان، من بينهم محمد المجذوب عبد الله المعروف بـ”رجل درو” (1796-1833).
  • يُعتقد أن المجاذيب الذين سكنوا قرية “درو” جنوب الدامر الحالية هم من وضعوا أساس المدينة.

3. شهادات الرحالة والمستشرقين عن الدامر

  • زار الدامر العديد من الرحالة الأجانب والمستشرقين الذين دونوا انطباعاتهم عنها:
    • الرحالة الاسكتلندي جيمس بروس، الذي وصلها في أكتوبر 1771، وصفها في كتابه “اكتشاف منابع النيل” بأنها “مدينة الفقيه ود المجذوب، قديس من الطراز الأول”.
    • الرحالة بيركهارت وصفها بأنها “مدينة كبيرة تضم حوالي 500 بيت، نظيفة مقارنة بمدينة بربر، وشوارعها منظمة، ويقطنها المجاذيب الذين يعود أصلهم إلى عرب الحجاز”.
    • عالم الجغرافيا الألماني كارل ريتر، في عمله عام 1822، وصفها بـ”دولة الكاهن”، مشيراً إلى الفقيه الكبير الذي عاش وسط المدينة، والمدارس القرآنية المحيطة بمسجد كبير يفد إليه الطلاب من أماكن بعيدة، فضلاً عن الزراعة المكثفة التي ترويها السواقي.

4. أصل تسمية “الدامر”

  • الرواية الأكثر شيوعاً تربط الاسم بالفقيه حمد، مؤسس المدينة، الذي تلقّى علوم القرآن على يد والده الفقيه عبد الله “رجل درو” (المدفون بقوز الشعديناب القريبة من المدينة).
  • رواية أخرى تشير إلى أن المجاذيب هم من أسسوا الدامر بعد استقرارهم في قرية “درو”.
  • البروفيسور عبد الله الطيب، أستاذ علوم اللغة العربية، يقترح أن الاسم قد يُشتق من عبارة “دامر الليل كله”، أي الذي يقوم الليل كله عابداً، في إشارة إلى الفقيه حمد.
  • كما يُحتمل أن يكون مشتقاً من “الدَمِيرة” بمعنى الفيضان، لكون الدامر مكاناً لتجمع مياه الفيضان.
  • يشير البروفيسور عبد الله الطيب أيضاً إلى أن الاسم قد يكون عربياً قديماً، حيث يوجد مكان يُسمى “الدامر” قرب دومة الجندل بمنطقة الجوف في المملكة العربية السعودية.

خاتمة
تظل الدامر، أو “دار الأبواب”، شاهدة على تاريخ حافل بالحضارة والمعرفة والتجارة. من خلال موقعها الاستراتيجي و تراثها الثقافي والديني، تستمر هذه المدينة العريقة في احتضان قيم التعليم والروحانيات التي أسسها المجاذيب. إن الدامر ليست مجرد مدينة، بل هي رمز من رموز الاستمرارية الإنسانية عبر العصور.

سوار الذهب النوبي

سوار الذهب, مواطن نهري ، اقتصادي متخصص في الاقتصاد الكلي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى