المقالات

ابناء الشمال الكبير آل بوربون

ي مقدمة هذه المسرحية الساخرة، نقف مذهولين أمام صورة الشماليين الذين لم يكفّوا عن تمجيد الماضي وكأنهم من آل بوربون الذين يحفظون ذكرياتهم وكأنها مجلد تاريخي لا يُفتح إلا للثناء على زواياه البالية. فهم يتشبثون كما لو أن الماضي العتيق هو الغاية والمرجعية الوحيدة التي تمنحهم مكانتهم، دون أن يدركوا أن الأحداث الراهنة تعصف بواقعهم في كل زاوية. كلما حان وقت اتخاذ خطوة نحو التغيير، يظهرون متمسكين بتفاصيل الأخطاء القديمة وكأنها تذكير دائم بعظمة زمن لم تعد له قيمة، فيتجلى سخرية الزمن في صورة شعبٍ يردد بصمت النسيان الذي لا يُنسى ولا يُتعلم منه شيئًا.

مشهد مسرحي

وفي المقابل، وفي مشهد مسرحي يجمع بين الطمع والعنف، تظهر حركات الزغاوة بنوايا جشعة تسعى للانتفاع من ثروات الشمال التي طالما احتفظ بها السكان كأثرٍ من ذكريات الماضي. إذ لا تكتفي هذه الحركات، القادمة من أرض دارفور، بإعادة سرد قصص السيطرة والتسلح عبر التجنيد القلبي والانشتار داخل الأراضي؛ بل تتعدى ذلك لتتطلع إلى اختطاف الموارد الاقتصادية، وخاصة الذهب الذي يشتهر به الشمال، لتحتل مكان الأجهزة الرسمية كالشرطة والجيش والقضاة. هنا تتجلى مفارقة تاريخية سخرية: فبينما يتمسكون الشماليون بعبقرية النسيان والتمسك بالماضي، لا تغتنم حركات الزغاوة فرصة التحديق في ثروة أرضهم، فتغزوها بنهم الطمع وتحوّلها إلى ملعبٍ لصراعات القوة والسيطرة.

التباين الفكاهي

يشكل فصلين من مسرحية سياسية عجيبة؛ فصلٌ يُظهر الشماليين كفرسانٍ عالقين في زمنٍ قد انتهى، وفصلٌ آخر يبرز حركات الزغاوة كتجسيدٍ للطموح المفرط الذي لا يعرف الرحمة في سعيه للسيطرة على الأمل المخبأ في ثروات الأرض. وبينما يستمر الشماليون في سرد حكايات الماضي وكأنها ديوان من أشعار آل بوربون، يترصد الزغاوة تلك القطع الذهبية لتعيد كتابتها على طريقة جديدة تُشبه انقلابًا عكسيًا؛ فيصبح الذهب رمزًا للسلطة، والحكم مرهونًا بقوة التجنيد القلبي والانفتاح على فلسفة الانتشار والتحكم في الموارد.

وهكذا تتقاطع مسارات النسيان مع جشع الحاضر في لوحات ساخرة تحمل في طياتها دعوة للتفكير: هل سينجح الشماليون يومًا في التخلي عن موروثهم القديم، أم ستظل صورهم تتردد في مسرحيات التاريخ القديمة؟ وهل ستظل حركات الزغاوة مجرد أدوات لتحقيق طموحاتها غير المشروعة، أم سيعود الوعي ليعيد رسم حدود الحق والسلطة بعيدًا عن الطمع المتقد؟ إن هذه المسرحية السوداء تظل شاهدةً على نظام يغدو فيه الماضي والحاضر متصارعين في معركة فريدة من نوعها بين تمسك ذاكري على رماد المستقبل وطمع لا يعرف الرحمة في ثروات الأرض.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى